أمّا الأمان فقد سبق لك, ولكن– والله– لا تأخذ مع المسلمين عطاء أبدًا! وقال ابن قيس لعبد الله بن جعفر: ما ينفعني أماني؟ تركت حيًا كميتٍ؛ فقال له عبد الله: عمِّر نفسك؟ قال: عشرين سنة, قال: كم عطاؤك؟ قال: ألفا درهم, فأمر بأربعين ألفًا, وقال: ذلك [لك] عليَّ حتى تموت, ثمَّ إنَّ ابن جعفر دخل إلى عبد الملك, ومعه ابن قيس, فلمّا قدَّم الطّعام جعل يسيء الأكل, فقال عبد الملك لابن جعفر مّن هذا؟ فقال: إنسان لا يجوز [ألاَّ] أن يكون صادقًا إن استبقي, وإن قتل كان أكذب النّاس, قال: وكيف ذلك؟ قال لأنّه يقول:
ما نقموا من بني أميّة إَّلا ... أنهم يحلمون أن غضبوا
فإن قتلته لغضبك عليه أكذبته, قال: فهو آمن, ولكن لا أعطيه من بيت المال, قال: إنك وهبت لي دمه, فأحبَّ أن تهب عطاءه, قال: قد فعلت, قال: وتعطيه ما فاته من العطاء, قال: قد فعلت, وأمر له بذلك. انتهى كلامه باختصار.
وتقدَّمت ترجمة ابن قيس الرقيات في الإنشاد الثّامن والأربعين. وقد نقلنا ما للنّاس في تلقيب قيس: بالرّقيات في شرح الشاهد الثّالث والثّلاثين بعد الخمسمائة من شواهد الرَّضي, ونقل السّيوطي من "أمالي ثعلب": أنَّ ابن قيس لمّا فارق المرأة التّي توارى عنها بالكوفة؛ قال لها: من أنت؟ قالت: أولا تعرفني؟ ! قال: لا والله, قالت: أنا التّي تقول فيها:
عاد له من كثيرة الطّرب ... الأبيات
وأقول: هذا كيف يصحّ والشّعر متأخر قاله بعدما فارقها؟ ولئن سلم أنّه قاله وهو متوارٍ عندها كيف يمكن أن يشتهر هذا الاشتهار! والله أعلم. وأنا لم أر ما نقله عن ثعلب في "أماليه". والله أعلم.