وليس إطلاقه عليه لأنه من لوازم اليقين كما قال الشمني, فكم من يقين لا خوف معه, قال المصنف: الخوف في هذا البيت يقين, إنما حمل الخوف هنا على اليقين, لأن الظاهر الذي لا ريب فيه, أنه لا يذوقها بعد الموت, ولهذه الحسرة أمر وصيه أن يدفنه إلى جنب كرمة, كما في المثل المشهور «من حسرة العنب يتوسد جدار الحديقة» وقال الدماميني: قد يقال: لا يلزم من تعقل العقلاء أنه لا يذوقها بعد الموت, حمل الخوف على اليقين عند هذا الشاعر, لأن استهتاره بشربها ومغالاته في محبتها أمر مشهور, فلعل ذلك حمله على أنه خاف ولم يقطع يما تيقنه غيره, ولذلك أمر بدفنه إلى جنب الكرمة رجاء أن ينال منها بعد الموت, ومن ثم قيل: إن هذا أحمق بيت قالته العرب. انتهى كلامه.
قال الحلبي: هذا مبني كما قال شيخنا على أنه كان إذ داك مترددًا بين ذوقها بعد الموت, بتقدير دفنه إلى جنب الكرمة, أو: لا, بتقدير دفنه في الفلاة, فلا علم ولا ظن, قال: وهذا احتمال, لأن التعليل بقوله: «فإنني أخاف أن .. » كان لمجموع الأمر والنهي, على معنى: فإنني أخاف الآن أن لا أذوقها غدًا, فلا علم ولا ظن, فهي الناصبة أهملت, ففي «شرح الكافية» للحديثي أن الخفيفة بعد فعل الخوف والرجاء ناصبة, لأنه يحتمل أن يقع وأن لا يقع, وبعد الظن يحتملها والمخففة, نظرًا إلى الرجحان وعدمه, أو على معنى: فإنني أخاف الآن – بتقدير: أن لا تدفنني إلى جنبها, بل في الفلاة – أن لا أذوقها إذا ما مت, أو: فإنني أخاف إذا ما مت بهذا التقدير أن لا أذوقها, فالخوف هنا علم ويقين فهي المخففة, وكذا إن جعل تعليلًا للنهي وحده, لأن الذي قارنه في هذا البيت على معنى: فإنني أخاف الآن أو إذا ما مت, بتقدير أن تدفنني في الفلاة لا إلى جنبها أن لا أذوقها. انتهى.