وهو سنام العبادة، وذروة الإسلام، وهو المحك، والدليل المفرق بين المحب والمدعي، فمن صدق المحب بذل مهجته وماله لربه، حتى يود لو أن له بكل شعرة نفسًا بذلها في مرضاته، ويود أن لو قتل ثم أحيى، ثم قتل ثم أحيي، قد سلم نفسه لمشتريها، وعلم أن لا سبيل إلى أخذ تلك السلعة الغالية إلا ببذل ثمنها {إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} الآية، ففيه خير الدنيا والآخرة، وفي تركه خسارة الدنيا والآخرة، وفيه إحدى الحسنين، إما النصر والظفر، وما الشهادة والجنة. وفضله عظيم، كيف وحاصله بذل أعز المحبوبات، وإدخال أعظم المشقات على النفس، ابتغاء مرضاة الله، وتقربا إليه، ونفعه يعم المسلمين كلهم، وغيره لا يساويه في نفعه وخطره، فلا يساويه في فضله، والشهادة فيه تكفر الذنوب غير الدين، لقوله صلى الله عليه وسلم للذي سأله: أيكفر الله عني خطاياي إن مت صابرا محتبسا في سبيل الله؟ قال: «نعم إلا الدين» . وقال الآجري: هذا إنما هو لمن تهاون في قضاء دينه، أما من استدان دينا وأنفقه في واجب عليه، أو في مشروع، من غير سرف ولا تبذير، ثم لم يمكنه قضاؤه بعد ذلك، فإن الله يقضيه عنه، مات أو قتل، قال الشيخ: وغير مظالم العباد كقتل، وظلم، وزكاة، وحج، وغيرها، ولا يسقط حق الآدمي من دم، أو مال، أو عرض، بالحج إجماعًا، ولا بالجهاد.