وقد وجدتُ عن يحيى بن سعيد شيئاً يصلح أن يكون سبباً لما نقله عن ابن عمار في حق ابن عيينة، وذلك ما أورده أبو سعد ابن السمعاني في ترجمة «إسماعيل بن أبي صالح المؤذن» من «ذيل تاريخ بغداد» بسندٍ له قوي إلى عبد الرحمن بن بشر بن الحكم، قال: سمعت يحيى بن سعيد يقول: قلت لابن عيينة: كنت تكتب الحديث وتحدث اليوم، وتزيد في إسناده، أو تنقص منه؟ فقال: عليك بالسماع الأول، فإني قد سمنت.
وذكر أبو معين الرازي في زيادة «كتاب الإيمان» لأحمد: أن هارون بن معروف قال له: إن ابن عيينة تغير أمره بأخرة، وإن سليمان بن حرب قال له: إن ابن عيينة أخطأ في عامة حديثه عن أيوب).
قال الشيخ عبد الرحمن المعلمي في «التنكيل»: (كان ابن عيينة بمكة، والقطان بالبصرة ولم يحج القطان سنة سبع، فلعله حج سنة ست، فرأى ابن عيينة قد ضعف حفظه قليلاً، فربما أخطأ في بعض مظان الخطأ من الأسانيد، وحينئذ سأله فأجابه كما أخبر بذلك عبد الرحمن بن بشر، ثم كأنه بلغ القطان في أثناء سنة سبع، أو أوائل سنة ثمان، أن ابن عيينة أخطأ في حديثين فعدَّ ذلك تغيراً، وأطلق كلمة «اختلط» على عادته في التشديد.
وقد كان ابن عيينة أشهر من نار على علم، فلو اختلط الاختلاط الاصطلاحي لسارت بذلك الركبان، وتناقله كثير من أهل العلم، وشاع وذاع، وهذا (جزء محمد بن عاصم) سمعه من ابن عيينة في سنة سبع، ولا نعلمهم انتقدوا منه حرفاً واحداً، فالحق أن ابن عيينة لم يختلط، ولكن كَبُر سِنُّهُ، فلم يبق حفظه على ما كان عليه، فصار ربما يخطيء في الأسانيد التي لم يكن قد بالغ في إتقانها، كحديثه عن أيوب، والذي يظهر أن ذلك خطأ هين، ولهذا لم يعبأ به أكثر الأئمة، ووثقوا ابن عيينة مطلقاً).