وكان مقامه بالنخيلة ثلاثا، ثم بعث إلى من تخلّف عنه يذكرهم الله وما أعطوه من العهود، فخرج إليه منهم ألف أو نحو ألف، فقام إليه المسيّب بن نجبة، فقال: يرحمك الله إنّه لا ينفعك المكره، ولا يقاتل معك إلاّ من أخرجته النيّة والحسبة، ومن فرّ إلى ربّه من ذنبه، فقال سليمان: أيّها الناس إنّا والله ما نطلب من الغنيمة إلاّ رضوان الله، وما معنا من ذهب ولا فضّة ولا خز ولا حرير، وما هي إلاّ سيوفنا على عواتقنا، ورماحنا بأيدينا وزاد قدر البلغة إلى لقاء عدونا، فمن لم يرض بهذا فلا يصحبنا، فنادى الناس من كلّ جانب: إنّا لا نطلب الدنيا، وليس لها خرجنا.
وأجمع سليمان المسير فأشار عليه عبد الله بن سعد بن نفيل بأن يطلب بدم الحسين عمر بن سعد بن أبي وقّاص، ومن بالمصر فإنّهم الذين شركوا في دمه وتولّوا أمره، فقال سليمان: إنّ هذا لكما قلت، ولكنّ ابن زياد هو الذي سرّب إليه عمر بن سعد والجنود، وعبّأهم عليه، وقال: لا أمان له عندي، فسيروا إليه فإنّكم إن رزقتم الظفر به فأمر من دونه أهل مصركم أيسر من أمره.
وعرض عليه عبد الله بن يزيد الخطمي أن ينظر إلى قدوم ابن زياد ليكون أمرهم وأمره في محاربته واحدا، فكره ذلك، فعرض عليه أن يوجّه معه جيشا، وقال: إنّكم أعلام أهل مصركم فإن أصبتم اختلّ مصركم فحاجزه، وأجمع على الشخوص واستقبال ابن زياد.
ووعظ سليمان الناس، ثم سار من النخيلة، فلما صار إلى دير الأعور عرض أصحابه فإذا قد تخلّف منهم نحو من ألف، فقال لأصحابه:
ما أحبّ من تخلّف عنكم معكم ولو خرجوا فيكم ما زادوكم إلاّ خبالا، ولما