فخرج منهم أربعة آلاف فيما يزعمون، فلما صاروا بوادي القرى أمرهم مسلم بالرجوع معه، فنفذت من وجوههم إلى يزيد جماعة ورجع سائرهم، فلما قدم مسلم المدينة أكمن كمينا ممّا يلي منازل بني حارثة، فتناهض الجمعان، وكان بمسلم النقرس فحمل في ترس ووضع أمام الصف ثم جلس عليه وقال: يا أهل الشام قاتلوا عن إمامكم أو دعوا، فنشبت الحرب فصبر أهل المدينة وقاتلوا أشدّ قتال، فلم يشعروا إلاّ بالكمين يضربهم في أدبارهم فانهزموا، وقتل عبد الله بن الغسيل وابن عمرو بن حزم الأنصاري - وكان قاضيهم - وفرّ ابن مطيع فلحق بابن الزبير. ثم أنهب الناس المدينة ثلاثة أيّام.
فلما انقضت الثلاثة الأيام جلس للبيعة ودعاهم إليها، فكان أوّل من اتاه يزيد بن عبد الله بن زمعة بن الأسود، وأمّه بنت أبي سلمة، وجدّته أمّ سلمة زوج رسول الله ﷺ، فقال: بايع لأمير المؤمنين على أنّك عبد قنّ يحكم في مالك ودمك، قال: أبايعك له على كتاب الله وسنّة نبيّه، وعلى أنّي ابن عمّه فقدّمه فضرب عنقه وقال: والله لا تشهد على أمير المؤمنين بشهادة بعدها، وكان وفد إليه فأعطاه فقدم يفجّره ويشهد عليه بشرب الخمر، ثم أتي بمعقل بن سنان الأشجعي فقال له: مرحبا بأبي محمد، فأخذ بيده فأقعده معه على طنفسته، ودعا معقل بماء فقال مسلم: ائتوه بشربة عسل وخضوها له بثلج ممّا حمل معنا ففعلوا، فلما شربها قال: سقى