وقال:"ويَتَحَصَّلُ مِن كلام أَئِمَّة التَّحقيق أنَّهُ حديثٌ ضعيفٌ، والعَمَلُ به بدعَةٌ، ولا يُغتَرُّ بكثرة من يفعلُه" انتهَى، وهذا هو الصَّواب الذي لا مَحِيدَ عَنهُ.
وإِنَّما تمسَّك مَن ذهب إلى العَمَل به بِكلامِ ابن الصَّلَاح، واغتَرَّ به النَّوَوِيُّ، حيث قال الأوَّلُ:"ولكن اعتَضَدَ بشواهدَ، وبعملِ أهل الشَّام به قديمًا"، وأضاف النَّوَوِيُّ:"وقد اتفَق علماءُ الحديث وغيرُهم، على المُسامَحَةِ في أحاديث الفَضَائل والتَّرغيب".
ونَقلُ دَعوَى الاتِّفاق في غاية الغَرَابة؛ إذ الخِلافُ في هذه المسألة مشهورٌ معروفٌ.
ثُمَّ مَن هُم "أهلُ الشَّام" الذين عناهم ابنُ الصَّلاح، إلَّا العوامَّ، الذين لا يَعرِفُون قَبيلًا من دَبيرٍ!
وإذا أَرَدنَا أن نُحَرِّر المَسأَلة، فيَنبَغِي أن نُحَدِّدَ معنى "المُسامَحة"، وما هو مَفهومُها.
والذي يَتَحَصَّلُ من كلام النُّقَّاد، أن المُسامَحة مع الرَّاوِي: أن لا يَكُون في الدَّرَجة العُليا من الضَّبط والإِتقان، فنَقبَلُ أحاديثَ ابن إسحاق، وابنِ عَجلان، وعبدِ الله بن مُحمَّد بن عقيل، وأضرابِهم. وحديثُ هؤلاء حَسَنٌ عند أكثر المُتأَخِّرين. ثُمَّ هؤلاء المُتأخِّرُون تَسَامَحُوا غاية التَّسَامُح في تطبيق قاعدة:"يُعمَل بالضَّعيف في فضائل الأعمال"، فصارُوا لا يُفَرِّقُون بين الضَّعيفِ وشديدِ الضَّعف؛ لأنَّ كثيرًا مِنهُم لم يَكُن عِندَه "ذَوقُ" المُحَدِّثين، ولا نَقدُ الحُفاظ المُبَرَّزين، فاتَّسَع الخَرْقُ على الرَّاقِع.