لا يَتَعلَّق بحقوق الآدميِّين، المُختصَّةِ بهم محضًا، ويَدخُلُ في الحِسبة ممَّا يتعلَّق بحق اللّه، أو فيه شائبةٌ منه، كالعتاق، والوقف، والوصيَّة العامة، والعِدَّة، والطَّلاق، والحُدود، ونحو ذلك، وحاصلُه أن المُرادَ بحديث ابن مسعُودٍ:"الشَّهادةُ في حقوق الآدميِّين"، والمُرادَ بحديث زيد بن خالدٍ:"الشَّهادةُ في حقوق اللّه". ثالثها: أنَّه محمولٌ على المُبالَغة في الإجابة إلى الأداء، فيكون لشدَّة استعدادِه لها كالذي أدَّاها قبل أن يُسأَلهَا، كما يقال في وصف الجَوَاد:"إنَّه لَيُعطِي قبل الطَّلَب"، أي يُعطِي سريعًا عَقِب السُّؤال من غير توقُّفٍ. وهذه الأجوبة مبنيَّةٌ على أن الأصل في أداء الشَّهادة عند الحاكم أن لا يَكُون إلَّا بعد الطَّلب مِن صاحب الحقِّ، فيُخَصُّ ذمُّ من يشهدُ قبل أن يُستَشهَد، بمن ذُكِر ممَّن يُخبِرُ بشهادةٍ عنده، لا يَعلُم صاحبُها بها، أو شهادة الحِسبة. وذَهَبَ بعضُهم إلى جواز أداء الشَّهادة قبل السُّؤال، على ظاهر عُمُوم حديث زيد بن خالدٍ، وتأوَّلُوا حديث عِمرانَ بتأويلاتٍ، أحدِها: أنَّه محمولٌ على شهادة الزُّور، أي:"يُؤدُّون شهادةً لم يَسبِق لهم تحمُّلُها"، وهذا حكاهُ التِّرمذيُّ عن بعض أهل العلم. ثانيها: المرادُ بها: "الشَّهادةُ في الحَلِف"، يدلُّ عليه قولُ إبراهيم، في آخر حديث ابن مسعُودٍ:"كانوا يضربونَنَا على الشَّهادة"، أي قول الرَّجل:"أشهدُ باللّه! ما كان إلَّا كذا"، على معنى الحَلِف، فكُرِه ذلك، كما كُرِه الإكثارُ من الحَلِف، واليمينُ قد تُسمَّى شهادةً، كما قال تعالى:{فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ}[النور: ٦]، وهذا جواب الطَّحاويِّ. ثالثها: المرادُ بها: "الشَّهادة على المُغيَّب من أمر النَّاس"، فيشهدُ على قومٍ أنَّهم