• قلتُ: وبعد هذا التَّخريج، ظَهَرَ لك أن الحديث صحيحٌ، وحَسبُك أن صَاحِبَيْ "الصَّحيح" اتَّفَقَا على تخريجِه، فكيف يُقالُ: لا أصل له؟!
الوجهُ الخامسُ: أن ابن عبد البَرِّ طَعَنَ على حديث عِمرانَ هذا، لأنَّه نَصَبَ التَعارُض بينه وبين حديث زيد بن خالدٍ الجُهَنِيِّ، مرفُوعًا:"أَلا أُخبِرُكم بخير الشُّهداء؟ الذي يأتي بالشَّهادة قبل أن يُسألها"، وهو حديثٌ صحيحٌ، أخرَجَهُ مُسلِمٌ في "الأقضية"(١٧١٩/ ١٩).
وقد وقع في إسناده اختلافٌ، ليس هذا موضعُ بيانه.
فقد أجاب أهل العِلمِ بأجوبةٍ، ساقها الحافظُ في "الفتح"(٥/ ٢٥٩ - ٢٦٠)، فقال:"واختَلَف العُلماءُ في ترجيحهما - يعني: حديث عِمران، وزيد بن خالدٍ -، فجَنَحَ ابنُ عبد البَرِّ إلى ترجيح حديث زيدِ بن خالدٍ؛ لكونه مِن رواية أهل المَدِينة، فقَدَّمه على رواية أهل العِراق، وبالَغَ فَزَعَم أن حديث عِمران هذا لا أصل له. وجَنَحَ غيرُه إلى ترجيح حديثِ عِمران؛ لاتِّفاق صاحبي "الصَّحيح" عليه، وانفرادِ مُسلِمٍ بإخراج حديث زيد بن خالدٍ. وذهب آخرون إلى الجمع بينَهما، فأجابوا بأجوبةٍ، أحدِها أن المُرادَ بحديث زيدٍ: "من عنده شهادةٌ لإنسانٍ بحقٍّ، لا يَعلَمُ بها صاحبُها، فيأتي إليه فيخبُرُهُ بها، أو يموتُ صاحبُها العالِمُ بها، ويُخَلِّفُ ورثةً، فيأتي الشَّاهِدُ إليهم، أو إلى من يَتَحَدَّثُ عنهم، فيُعْلِمُهم بذلك"، وهذا أَحسَنُ الأجوبة، وبهذا أجاب يحيى بنُ سعيدٍ شيخُ مالكٍ، ومالكٌ، وغيرُهما. ثانيهما: أنَّ المُراد به "شهادةُ الحِسبة"، وهي ما