والغُمَارِيُّ أخذ هذه الدَّعوَى من ابنِ القَيِّم، لكن ابن القَيِّم احتاط لِنَفسِهِ في العِبارة، وعبارتُهُ في "الزَّاد"(١/ ٢٢٦): "وكان يَقَعُ لي أنَّ حديثَ أبي هُرَيرَةَ كما ذكَرنَا، ممَّا انقَلَبَ على بعض الرُّواةِ متنُه وأصلُه، ولعله: "ولْيَضَع رُكبَتَيهِ قبل يَدَيهِ"، كما انقَلَبَ على بعضهم حديثُ ابنِ عُمَر: "إِنَّ بِلالًا يُؤَذِّنُ بليل، فكُلُوا واشرَبُوا حتَّى يُؤَذِّنَ ابنُ أُمِّ مكتومٍ"، فقال: " … ابنَ أُمِّ مَكتُومٍ يُؤَذِّنُ بليلٍ، فكُلُوا واشرَبُوا حتَّى يُؤذِّنَ بِلالٌ". وكما انقَلَب على بعضِهم حديثُ: "لا يزَال يُلقَى في النَّارِ، فتقُولُ: هَل مِن مَزِيدٍ … -إلى أن قال:- وَأَمَّا الجَنَّةُ فَيُنشِئُ اللهُ لها خَلقًا يُسكِنُهُم إيَّاهَا"، فقال: "وَأَمَّا النَّارُ، فيُنشِئُ اللهُ لها خلقًا يُسكِنُهم إِيَّاها"، حتَّى رأيتُ أبا بكرٍ ابنَ أبي شَيبَة قد رواه كذلك، فقال ابنُ أبي شَيبَة: حدَّثَنا مُحمَّدُ بن فُضيلٍ، عن عبد الله بن سَعِيدٍ، عن جَدِّه، عن أبي هُريرَةَ، عن النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، قال: إذا سَجَدَ أحدُكم، فليبدأ برُكبتَيه قَبل يَديه، وَلا يَبرُك كَبُرُوكِ الفَحلِ" انتهَى.
• قلتُ: هذا كلامُ ابنِ القَيِّم -رحمه الله-، وفيه نَظَرٌ عريضٌ؛ لأنَّ الأحاديثَ التي ذَكَرَهَا قام الدَّليلُ على أنَّها ممَّا انقَلَب على الرَّاوِي -مع أنَّ حديث أذانِ بلالٍ عارَضَ في دَعوَى القَلبِ فيه الحافظُ في "الفتح"، ورَدَّ على ابن عبد البَرِّ وغيرِهِ هذه الدَّعوَى-. ومِثلُهُ ممَّا لَم يَذكُرهُ ابنُ القَيِّم حديثُ مُسلِمٍ:"ورَجُلٌ تَصَدَّقَ بشمالِهِ، حتَّى لا تَعلَمَ يمينُهُ ما أَنفَقَت شمالُهُ"، وهذا مقلوبٌ -كما حرَّرتُهُ في الحديث رقم (١٤٢) من هذا الكتاب-. فليس معنى أنَّ أحاديثَ قُلِبَت على بعض الرُّواةِ أن يكون حديثُنا مِن هذا الضَّرْب. بَيْدَ أنَّ ابنَ القَيِّم استدلَّ على انقلاب الحديثِ