للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المباحات والمعاصي» (١).

وبهذا يتضح الخطأ الذي وقع فيه الجبرية كهذا الشيخ وأمثاله، حيث ظنوا أن كل ما أراده الله فقد أحبه ورضيه، ولم يفرقوا بين الإرادة الكونية التي لا تستلزم المحبة والرضا، وبين الإرادة الشرعية المستلزمة لذلك.

ثانياً: أنه ينبغي التفريق بين قضاء الله تعالى الذي هو فعله، وبين المقضي وهو أثر فعله سبحانه، فالقضاء غير المقضي؛ إذ القضاء فعل الله تعالى ومشيئته، وما قام به، واتصف به، فعلى هذا قضاؤه كله حق.

أما المقضي: فهو أثر القضاء، وهو مفعول منفصل مباين له، مشتمل على الخير والشر، فالمقضي فيه حق، وفيه باطل، فما كان حقاً: رضينا به، وما كان باطلاً: لا نرضى به، فنحن مأمورون بكره المقضي، إذا كان باطلاً وكفراً وفساداً، فرضا العبد يدور مع الشرع، أي مع الأمر والنهي، لا مع المشيئة والقدر الكوني (٢).

ثالثاً: أن ذلك يفتح باب الاستهانة بالذنوب، والإباحية المطلقة؛ وهذا ما آل إليه كثير من الجبرية؛ فمنهم من "يتدين بحب الصور الجميلة من النساء الأجانب والمردان وغير ذلك ويرى هذا من الجمال الذي يحبه الله فيحبه هو ويلبس المحبة الطبيعية المحرمة بالمحبة الدينية ويجعل ما حرمه الله مما يقرب إليه {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ} [الأعراف:٢٨] " (٣).

وبهذه الشبهة أيضاً أسقطوا الأمر والنهي، وأبطلوا الوعد والوعيد قال شيخ الإسلام: «وهؤلاء يؤول بهم الأمر إلى أن لا يفرقوا بين المحظور والمأمور،


(١) مجموع الفتاوى (٨/ ١٨٧ - ١٨٩).
(٢) انظر: منهاج السنة (٣/ ٢٠٥)، مدارج السالكين (١/ ٢٥٦)، شرح العقيدة الطحاوية (ص ٢٥٨).
(٣) الاستقامة (١/ ٤٢٥).

<<  <   >  >>