للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الصحيحة لا تُغلب أبداً … وقد قُتِلَ أنبياء كثير وما غُلِبت حجتهم قط» (١).

وهذا الصراع تنوعت ميادينه، وتعددت طرقه وأساليبه، ومن أعظمها نفعاً، وأبلغها أثراً، أسلوب (المحاورات والمناظرات) التي تعتبر-إذا توفرت شروطها ومقتضياتها- من أنفع الوسائل في بيان الحق وأفضلها، ويزداد نفعها ويعظم أثرها عندما يكون المتصدي لها هو أحد أئمة الإسلام ورجاله العظام، كشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية الحراني، صاحب العلم الجم والفهم الثاقب والحجج القوية والبراهين الساطعة، الذي كان علمه بمذاهب الخصوم أكثر من علم أصحابها بها، والذي لا يُعرف أنه ناظر أحداً فانقطع معه، ولا تكلم في علم من العلوم - سواء كان من علوم الشرع أو غيرها - إلا فاق فيه أهله.

ويعظم أثرها أكثر، إذا كان أهل الباطل هم أهل التمكن والمنعة، وأهل الحق في ضعف وقلة، فحينئذ يظهر الحق بظهور أهله، وكشفهم للباطل، وردهم للجاهل، وقمعهم لكل مجادل.

وهذه هي الحال التي كانت في عصر شيخ الإسلام، فقد كانت الصولة والجولة في ذلك الزمان لأهل البدع والأهواء، وكان سوق البدعة هو الرائج، وأهلها هم أصحاب السلطة والكلمة، فكان لوجود تلك المناظرات، في مثل ذلك العصر، الأثر الكبير البارز، في إظهار الحق وأهله، وفضح الباطل وجنده، ورحم الله ابن القيم حين قال في وصف شيخه:

وله المقامات الشهيرة في الورى … قد قامها لله غير جبان

نصر الإله ودينه وكتابه … ورسوله بالسيف والبرهان

أبدى فضائحهم وبيّن جهلهم … وأرى تناقضهم بكل زمان


(١) الإحكام في أصول الأحكام (١/ ٢٤).

<<  <   >  >>