المقام الثالث: أن يسلم ذلك الدليل الصارف عن معارض، فأي تأويل عارض أصل النص وجب رده؛ لكونه يعود على أصل النص بالإبطال، ومن ذلك تأويل المرأة بالأمة، في قوله -صلى الله عليه وسلم-: (أيما امرأة نكحت من غير إذن وليها … )؛ فإن تتمة الحديث (فإن دخل بها فلها المهر .. )(١)، يبطل التأويل؛ فمهر الأمة لسيدها وليس لها.
وعليه فإذا قام دليل قرآني أو إيماني يبين أن إثبات صفات الله على الحقيقة، وأنها مرادة امتنع ترك هذه الدلالة؛ لتأويلات تفرضها بعض الأذهان من وجوه خفية، وهي في الحقيقة شبهة فاسدة، تعارض النصوص المتواترة والمتكاثرة على إثبات الصفات على الوجه اللائق به سبحانه.
المقام الرابع: إذا كان الكلام من الشارع وأراد به خلاف ظاهره وضد حقيقته فلا بد أن يبين بياناً واضحاً للأمة بدليل عقلي أو سمعي أنه لم يُرد حقيقته، وإنما أراد به معنى آخر، وذلك لما يلي:
أ-أن الله سبحانه جعل القرآن نوراً وهدى وبياناً للناس وشفاءً لما في الصدور من الوساوس، والشكوك، وحبائل الهوى.
ب-وأرسل سبحانه الرسل لتبين للناس ما نزل إليهم، ولتحكم بينهم فيما اختلفوا فيه، حتى تنقطع بهم الحجة، وتتضح أمامهم السبل.
ج-والنبي -صلى الله عليه وسلم- بعث بأفصح اللغات وأبين الألسنة والعبارات.
د - والأمة التي تلقت عنه، والتزموا نهجه كانوا أعمق الناس علماً، وأنصحهم للأمة، وأبينهم للسنة.
وإذا كان الأمر كذلك، فإنه يلزم أن يوضح النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأصحابه، ومن تبعهم كل ما يتعلق بقضايا الدين، وبمسائل العقيدة وضوحاً لا خفاء فيه، ولا لبس معه،
(١) رواه أحمد (٢٤٢٠٥)، وأبو داود (٢٠٨٣)، والترمذي (١١٠٢)، وابن ماجه (١٨٧٩)، وغيرهم من حديث عائشة -رضي الله عنها- وصححه الألباني إرواء الغليل (١٨٤٠).