للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قلت له: المقام الثاني: أن يقال: هب أنه يجوز أن يعني باليد حقيقة اليد، وأن يعني بها القدرة أو النعمة، أو يجعل ذكرها كناية عن الفعل، لكن ما الموجب لصرفها عن الحقيقة؟

فإن قلت: لأن اليد هي الجارحة وذلك ممتنع على الله سبحانه.

قلت لك: هذا ونحوه يوجب امتناع وصفه بأن له يدًا من جنس أيدي المخلوقين، وهذا لا ريب فيه، لكن لم لا يجوز أن يكون له يد تناسب ذاته تستحق من صفات الكمال ما تستحق الذات؟

قال: ليس في العقل والسمع ما يحيل هذا.

قلت: فإذا كان هذا ممكنًا وهو حقيقة اللفظ فلم يصرف عنه اللفظ إلى مجازه؟ وكل ما يذكره الخصم من دليل يدل على امتناع وصفه بما يسمى به، وصحت الدلالة سلم له أن المعنى الذي يستحقه المخلوق منتف عنه، وإنما حقيقة اللفظ وظاهره يد يستحقها الخالق كالعلم والقدرة، بل كالذات والوجود.

المقام الثالث: قلت له: بلغك أن في كتاب الله أو في سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو عن أحد من أئمة المسلمين أنهم قالوا: المراد باليد خلاف ظاهره، أو الظاهر غير مراد، أو هل في كتاب الله آية تدل على انتفاء وصفه باليد دلالة ظاهرة، بل أو دلالة خفية؟ فإن أقصى ما يذكره المتكلف قوله: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:١]، وقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:١١] وقوله: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم:٦٥] وهؤلاء الآيات إنما يدللن على انتفاء التجسيم والتشبيه. أما انتفاء يد تليق بجلاله، فليس في الكلام ما يدل عليه بوجه من الوجوه.

وكذلك هل في العقل ما يدل دلالة ظاهرة على أن الباري لا يد له البتة؟ لا يدًا تليق بجلاله، ولا يداً تناسب المحدثات، وهل فيه ما يدل على ذلك أصلا، ولو بوجه خفي؟ فإذا لم يكن في السمع ولا في العقل ما ينفي حقيقة اليد البتة، وإن

<<  <   >  >>