للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأمر الأول: ما جاء من تفسير مجاهد والشافعي لقوله تعالى: {فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة:١١٥] بقبلة الله.

احتج المخالف على صحة طريقة المتكلمين التي يسمونها تأويلاً، بما جاء من تفسير مجاهد والشافعي للوجه بالجهة والقبلة. وأصل شبهة المخالف: ظنه أن هذه الآية هي من آيات الصفات التي لا يحتمل ظاهرها غير إثبات الصفة، ومع ذلك فقد قام الإمامان مجاهد والشافعي بتأويلها وصرفها عن ظاهرها، كما يفعل مؤولة الصفات بآيات الصفات وأحاديثها.

وقد أجاب عنهم شيخ الإسلام بعدة أجوبة، تبطل شبهتهم هذه وتفسد عليهم احتجاجهم، فبين رحمه الله أن هذا التفسير الذي ذكر عن مجاهد والشافعي تفسير صحيح ومقبول، وليس من التأويل المذموم التي تصرف فيه النصوص عن ظاهرها المراد، وتحرف عن معناها بغير حجة ولا دليل، وبيان ذلك من وجوه:

أولاً: أن الوجه يطلق في اللغة على الجهة والوجهة، يقال: (قصدت هذا الوجه)، و (سافرت إلى هذا الوجه) أي: إلى هذه الجهة. ويقال: (أي وجه تريده؟) أي: أي جهة؟ و (أنا أريد هذا الوجه) أي: هذه الجهة. وهذا كثير مشهور، ومنه قول أنس في حديث الاستسقاء "فلم يقدم أحد من وجه من الوجوه إلا أخبر بالجود" وإذا كان الوجه يطلق في اللغة على الصفة التي هي الوجه وعلى الجهة، فالذي يحكم أيهما المراد هو سياق الكلام والقرائن المتصلة به (١).

ثانياً: أن سياق الآية التي وردت به، يوضح هذا الأمر ويزيل اللبس فيه؛ "فإن الدلالة في كل موضع بحسب سياقه، وما يحف به من القرائن اللفظية والحالية" (٢)، وقد كان السياق هنا في ذكر الجهات حيث قال: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة:١١٥]، والمشرق والمغرب جهات. وأيضاً قد قال قبلها {فَأَيْنَمَا


(١) انظر: مجموع الفتاوى (٦/ ١٦)، بيان تلبيس الجهمية (٦/ ٧٤ - ٧٥)، جامع المسائل (٨/ ١٩٤).
(٢) مجموع الفتاوى (٦/ ١٤).

<<  <   >  >>