للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ملكًا عظيمًا هو أعظم الملائكة كان مربيًا لمحمد -صلى الله عليه وسلم- وكان هو المراد من قوله {وَجَآءَ رَبُّكَ} [الفجر:٢٢]. فهل يشك من له أدنى مسكة من عقل وإيمان أنه من المعلوم بالاضطرار في دين الإسلام أن هذا من أعظم الافتراء على الله وعلى رسوله وعلى كلامه، وأن الله لم يجعل لمحمد قط ربًّا غير الله {وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام:١٦٤]» (١).

ثامناً: أن تأويل المتكلمين وتحريفاتهم كانت سبباً لتسلط الدهرية والفلاسفة والملاحدة على المسلمين وتقرير إلحادهم وزندقتهم؛ قال شيخ الإسلام: «وينبغي أن يعلم أن الذي سلط هؤلاء الدهرية على الجهمية شيئان:

أحدهما: ابتداعهم لدلائل ومسائل في أصول الدين تخالف الكتاب والسنة، ويخالفون بها المعقولات الصحيحة التي يفسر بها خصومهم أو غيرهم.

والثاني: مشاركتهم لهم في العقليات الفاسدة من المذاهب والأقيسة، ومشاركتهم لهم في تحريف الكلم عن مواضعه، فإنهم لما شاركوهم فيما شاركوهم فيه بعد تأويل نصوص الصفات بالتأويلات المخالفة لما اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها كان هذا حجة لهم في تأويل نصوص المعاد وغيرها، كما احتج به هذا الفيلسوف، وكما يذكره أبو عبد الله الرازي ومن قبله حتى إن الدهرية قالوا لهم: القول في آيات المعاد كالقول في آيات الصفات. فكان من حجتهم عليهم، وضموا ذلك إلى ما قد يطلقونه من الأدلة اللفظية لا تفيد اليقين، فقالوا له أنت تقول الظواهر لا تفيد القطع أيضًا، والآيات المتشابهة في القرآن الدالة على المشيئة والقدر ليست أقل ولا أضعف دلالة من الآيات الدالة على المعاد الجسماني، ثم إنكم تجوزون تأويل تلك الآيات، فلم لاتجوزون أيضًا تأويل الآيات الواردة ها هنا؟!» (٢).


(١) بيان تلبيس الجهمية (٦/ ٣٠٦).
(٢) المصدر السابق (٢/ ٧١ - ٧٢).

<<  <   >  >>