للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقلت له -لما ذكر لي احتجاجهم بما جاءهم من أمر الرسول-: فهب أن المسلمين كأهل بغداد كانوا قد عصوا -وكان في بغداد بضعة عشر بغيًا- فالجيش الكفار المشركون الذين جاءوا كانوا شرًا من هؤلاء؛ فإن هؤلاء كن يزنين اختيارًا، فأخذ أولئك المشركون عشرات الألوف من حرائر المسلمين وسراريهم بغير اختيارهم، وردوهم عن الإسلام إلى الكفر وأظهروا الشرك وعبادة الأصنام ودين النصارى وتعظيم الصليب حتى بقي المسلمون مقهورين مع المشركين وأهل الكتاب، مع تضاعيف ما كان يفعل من المعاصي، فهل يأمر محمد صلى الله عليه وسلم بهذا ويرضى بهذا؟!

فتبين له وقال: لا والله. وأخبرني عن ردة من ارتد من الشيوخ عن الإسلام لما كانت شياطين المشركين تكرههم على الردة في الباطن، وتعذبهم إن لم يرتدوا!

فقلت: كان هذا لضعف إيمانهم وتوحيدهم، والمادة التي يشهدونها من جهة الرسول، وإلا فالشياطين لا سلطان لهم على قلوب الموحدين، وهذا وأمثاله ما كانوا يعتقدون أنهم شياطين بل أنهم رجال من رجال الغيب الإنس وكلهم الله بتصريف الأمر، فبينت لهم أن رجال الغيب هم الجن كما قال تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (٦)} [الجن:٦] ومن ظن أنهم إنس فمن جهله وغلطه؛ فإن الإنس يؤنسون أي يشهدون ويرون (١)؛ إنما يحتجب الإنسي أحيانًا لا يكون دائمًا محتجبا عن أبصار الإنس؛ بخلاف الجن فإنهم كما قال الله {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ (٢٧)} [الأعراف:٢٧]» (٢).

• مناظرته مع بعض الصوفية في بعض اعتقاداتهم الباطلة:

في هذه المناظرة يحتج بعض أهل السلوك والتصوف بقصة أخرى من قصصهم المكذوبة المفتراة، ليحتجوا بها على ما يزعمونه من كشوفات وكرامات، ويوضح


(١) انظر: تهذيب اللغة (١٣/ ٦١) ومجمل اللغة لابن فارس (ص:١٠٤).
(٢) مجموع الفتاوى (١٣/ ٢١٦ - ٢١٨).
*لما كفر جماعة من اليونسية وارتدوا، واحتجوا أن كفرهم إنما هو بسبب ما وقع به المسلمون من الذنوب والمعاصي، ولذلك أمرهم الرسول -على حد زعمهم- بالكفر والردة، وأن يلحقوا الكفار من التتار.
بين لهم شيخ الإسلام أن ما وقع ويقع به الكفار من المعاصي والقبائح أشد بكثير مما ينقمونه على بعض أهل الإسلام فهم أحق بالانصراف عنهم وتركهم، ووضح لهم أن ما يشاهدونه من كشوفات مزعومة وما يظنونه رجالاً للغيب أو رسولاً يحدثهم، إنما هو شيطان يضلهم عن السبيل، ويدعوهم إلى الكفر والشرك.

<<  <   >  >>