للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عما هو أكبر منه أضعف وأعجز، فاستأذن منه أن يضع الطوافة في ذقنه، فإنه إن كان صادقاً في ما ادعاه من قدرته على دخول النار فلن يتردد في قبول ذلك، وإن خاف وأحجم فهذا دليل واضح على كذبه واحتياله، وهذا ما حدث بالفعل، فإنه لم يستطع الإقدام على ذلك، فظهر كذبه واحتياله، وانكشف أمره وانفضح حاله.

وقد سبق في المناظرة السابقة بيان حقيقة ما يدعيه الرفاعية من دخول النيران وعدم التأثر بها، ودراسة المسألة هناك، وكيف كشف شيخ الإسلام حيلهم وألاعيبهم التي يلبسون بها على الناس، ليصدقوا مثل هذه الأمور، وفي هذه المناظرة يحسن الإشارة إلى ما تطرق له الصفدي من مشابهة هؤلاء الرفاعية في دجلهم وكذبهم، لرهبان النصارى في حيلهم وطرقهم التي يستخدمونها لخداع النصارى وعامة أهل ديانتهم، وقد أشار إلى ذلك شيخ الإسلام -رحمه الله- في عده مواطن من كتبه وبين كثيراً من حيل الرهبان وطرقهم التي يخدعون بها الناس.

قال شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-: «وقد صنَّف بعض الناس مصنفًا في حيل الرهبان، مثل الحيلة المحكية عن أحدهم في جعل الماء زيتًا بأن يكون الزيت في جوف منارة، فإذا نقص صب فيها ماء، فيطوف الزيت على الماء، فيظن الحاضرون أن نفس الماء انقلب زيتًا.

ومثل الحيلة المحكية عنهم في ارتفاع النخلة، وهو أن بعضهم مر بدير راهب وأسفل منه نخلة، فأراه النخلة صعدت شيئًا شيئًا حتى حاذت الدير، فأخذ من رُطَبها ثم نزلت حتى عادت كما كانت، فكشف الرجل الحيلة، فوجد النخلة في سفينة في مكان منخفض إذا أرسل عليه الماء امتلأ حتى تصعد السفينة، وإذا صرف الماء إلى موضع آخر هبطت السفينة، ومثل الحيلة المحكية عنهم في التكحل بدموع السيدة، يضعون كحلًا في ماء متحرك حركة لطيفة، فيسيل حتى ينزل من تلك الصورة فيخرج من عينها فيظن أنه دموع. ومثل الحيلة التي صنعوها بالصورة التي يسمونها القونة (١)


(١) لعل المراد بها (الأيقونة)، وهي كلمة يونانية أو قبطية الأصل، يُعبر بها عن صور المسيح ومريم عليهما السلام، والحواريين والرسل والقديسين، ونحوهم، وهم يعظمون الأيقونات، ويوجبون وضعها في الكنيسة والبيوت والطرقات بزعم أن تأمل الأيقونة يحثهم على تكريم من ترمز إليه، وهو في الحقيقة عبادة للصور، وإن زعموا أنهم لا يقصدون عبادتها. انظر: معجم متن اللغة (١/ ٢٢٣).

<<  <   >  >>