للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقلت: فقم؛ وأخذت أكرر عليه في القيام إلى ذلك فمد يده يظهر خلع القميص فقلت: لا حتى تغتسل في الماء الحار والخل فأظهر الوهم على عادتهم، فقال: من كان يحب الأمير فليحضر خشبًا، أو قال حزمة حطب.

فقلت: هذا تطويل وتفريق للجمع؛ ولا يحصل به مقصود؛ بل قنديل يوقد وأدخل إصبعي وإصبعك فيه بعد الغسل؛ ومن احترقت إصبعه فعليه لعنة الله؛ أو قلت: فهو مغلوب. فلما قلت ذلك تغير وذل، وذُكِرَ لي أن وجهه اصفرَّ.

ثم قلت لهم: ومع هذا فلو دخلتم النار وخرجتم منها سالمين حقيقة ولو طرتم في الهواء؛ ومشيتم على الماء؛ ولو فعلتم ما فعلتم لم يكن في ذلك ما يدل على صحة ما تدعونه من مخالفة الشرع، ولا على إبطال الشرع، فإن الدجال الأكبر يقول للسماء أمطري فتمطر، وللأرض أنبتي فتنبت وللخربة أخرجي كنوزك فتخرج كنوزها تتبعه، ويقتل رجلاً ثم يمشي بين شقيه، ثم يقول له: قم، فيقوم (١). ومع هذا فهو دجال كذاب ملعون لعنه الله، ورفعت صوتي بذلك فكان لذلك وقع عظيم في القلوب.

وذكرت قول أبي يزيد البسطامي (٢): «لو رأيتم الرجل يطير في الهواء، ويمشي على الماء فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف وقوفه عند الأوامر والنواهي» (٣)، وذكرت


(١) يشير إلى حديث النواس بن سمعان الذي عند مسلم (٢٩٣٧) وغيره.
(٢) هو طيفور بن عيسى البسطامي، أبو يزيد: زاهد متصوف مشهور قال ابن كثير: «وقد حُكى عنه شحطات ناقصات، وقد تأولها كثير من الفقهاء والصوفية وحملوها على محامل بعيدة، وقد قال بعضهم: أنه قال ذلك في حال الاصطلام والغيبة. ومن العلماء من بدعه وخطأه وجعل ذلك من أكبر البدع وأنها تدل على اعتقاد فاسد كامن في القلب ظهر في أوقاته والله أعلم» انظر: البداية والنهاية (١١/ ٤٢) تاريخ الإسلام (٦/ ٣٤٥).
(٣) رواه البيهقي في الشعب (٣/ ٣٠٤)، والقشيري في الرسالة (١/ ٥٨). وقريب من هذا أيضاً ما رواه
القشيري بسنده أنه قيل لأبي يزيد: فلان يمشي في ليلة إلى مكة! فقال: الشيطان يمشي في ساعة من المشرق إلى المغرب في لعنة الله. وقيل له: فلان يمشي على الماء ويطير في الهواء! فقال الطير: يطير في الهواء، والسمك يمر على الماء. ا. هـ الرسالة القشيرية (٢/ ٥٣٣).

<<  <   >  >>