ثانياً: أنه إنما خص ذكر هذه العلامة؛ لأنها علامة ظاهرة لكل أحد ويعرفها ويقر بها جميع الناس، فإن قيل: أفلا يكفي في بيان بطلان ألوهية المسيح الدجال إثبات أنه بشر من بني آدم، والرب ليس كذلك؟
قيل: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكتف ببيان بشرية المسيح الدجال؛ لأنه علم أن كثيرًا من الخلق سيضل في هذا الباب، فيجيز حلول الله بخلقه وظهوره في صورة البشر وحلوله واتحاده بهم، كما وقع هذا لكثير من الأمم، فالنصارى ادعت اتحاد الله بالمسيح -عليه السلام-، وادعى اليهود من بني إسرائيل أن العجل هو إله موسى مع وجود نبي الله فيهم وهو هارون -عليه السلام-، وكثير ممن ينتسب إلى الإسلام والقبلة يدعي حلول الله واتحاده ببعض المشايخ والأولياء، بل أصحاب وحدة الوجود يعتقدون أن كل شيء في الوجود هو الله عز وجل.
فلما علم صلوات الله وسلامه عليه، أن هذه العلامة -وهي بيان بشرية المسيح الدجال- لن تكون كافية في بيان المقصود بالنسبة لهؤلاء، ذكر علامة أظهر وأوضح يقر بها الجميع وهي (العور).
فإنه لو قال: أن الله ليس ببشر. لما أقر بذلك كثير من الناس ولنازعوا في ذلك، فاحتاج لذكر أمور ظاهرة لا يحتاج فيها إلى ذكر موارد النزاع (١).
ثالثاً: يلزمكم إذا جوزتم دعوى الألوهية في ابن هود وغيره ممن ظهرت على أيديهم بعض الخوارق، أن تجوزوا دعوى المسيح الدجال بذلك، بل إن الدجال أولى بدعوى الألوهية ممن ذكرتم وذلك لوجهين:
١. أن جميع خوارق هؤلاء لا تعد شيئا بالنسبة لخوارق الدجال.
٢. أن كثيراً ممن يعتقد فيهم الحلول والاتحاد لم يدَّعو ذلك لأنفسهم بل قد ينكرونه، ومع ذلك جوزتم الحلول لهم، بينما الدجال قد صرح بادعائها لنفسه،