للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإذا قيل: هذا الموجود، وهذا الموجود مشتركان في مسمى الوجود، كان ما اشتركا فيه لا يوجد مشتركاً إلا في الذهن لا في الخارج، وكل موجود فهو يختص بنفسه وصفات نفسه، لا يشركه غيره في شيء من ذلك في الخارج، وإنما الاشتراك هو نوع من التشابه والاتفاق، والمشترك فيه الكلي لا يوجد كذلك إلا في الذهن، فإذا وجد في الخارج لم يوجد إلا متميزاً عن نظيره، لا يكون هو إياه، ولا هما في الخارج، مشتركان في شيء في الخارج" (١).

قال شيخ الإسلام: «فمن فهم هذا انحلّت عنه إشكالات كثيرة يعثر فيها كثير من الأذكياء الناظرين في العلوم الكلية والمعارف الإلهية» (٢).

فبين شيخ الإسلام -رحمه الله- أن في الوجود وجودين:

أحدهما: أزلي واجب الوجود نفسه.

الثاني: محدث ممكن الوجود، موجود بغيره.

ولا يلزم من اتفاقهما في مسمى الوجود أن يتفقا في خصائصه، فإن وجود الواجب يخصه، ووجود المحدث يخصه:

وجود الخالق: واجب أزلي ممتنع الحدوث، أبدي ممتنع الزوال.

ووجود المخلوق: ممكن حادث بعد العدم قابل للزوال (٣).

ثالثاً: أن قولهم بعدم التفريق بين واجب الوجود وممكن الوجود ظاهر البطلان "وذلك أنه قد عُلم بضرورة العقل أنه لا بد من موجود قديم غني عما سواه، إذ نحن نشاهد حدوث المحدثات كالحيوان والمعدن والنبات، والحادث ممكن ليس بواجب ولا ممتنع، وقد عُلم بالاضطرار أن المحدَث لا بد له من محدِث، والممكن لا بد له من واجب، كما قال تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور:٣٥]، فإذا لم يكونوا خلقوا من غير خالق ولا هم الخالقون


(١) انظر: منهاج السنة (٢/ ٣٠ - ٣١).
(٢) المصدر السابق (٢/ ٣١).
(٣) انظر: تقريب التدمرية (ص: ٣٥).

<<  <   >  >>