للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بحس ولا يتميز منه شيء من شيء ونحوها من العبارات التي مؤداها واحد وهو تعطيل ذات الله وإرجاع وجوده إلى الوجود الذهني المجرد من كل صفة، وعن كل ما يؤدي -في نظرهم- للتقسيم والكثرة (١).

ومبنى شبهتهم أن الصفات أعراض يستلزم إثباتها لله التكثر والتعدد في ذاته، والتعدد يستلزم التركيب، والتركيب ممتنع في حق واجب الوجود، وسبب ذلك -كما بينه شيخ الإسلام- أن الفلاسفة يجعلون أخص وصف لله هو وجوب وجوده بنفسه، وإمكان ما سواه، والتركيب المذكور يوجب افتقاره لغيره وهذا يمنع من كونه واجبا بنفسه (٢).

قال شيخ الإسلام: -رحمه الله-: «وأصل هذا كله ما ادعوه من أن إثبات الصفات تركيب ممتنع، وهذا أخذوه عن المعتزلة ليس هذا من كلام أرسطو وذويه … ، ثم بنوا هذا على أن الواحد لا يكون فاعلاً وقابلاً؛ لأن ذلك يستلزم التركيب وأن الواحد لا يصدر عنه إلا واحد؛ لأن صدور اثنين يقتضي تعدد المصدر فمصدر (ج) غير مصدر (ب) وذلك يستلزم التركيب الممتنع، فمدار كلامهم في التوحيد والصفات كله على لفظ التركيب» (٣).

وهذه الشبهة في فهم التوحيد وتفسير معناه، ليست مقتصرة على الفلاسفة وحسب، بل هي شبهة مشتركة بين الفلاسفة والجهمية والمعتزلة وغيرهم من أهل الكلام، وقد ذكر شيخ الإسلام في الموضع السابق أن شبهة التركيب إنما استفادها متأخرو الفلاسفة كابن سينا وأمثاله من المعتزلة، وليس هذا من كلام أرسطو ومن معه (٤)، وذلك أن الفلاسفة المنتسبين للإسلام لم يسلكوا في إثبات وجود (واجب الوجود) طريقة أرسطو، وإنما سلكوا طريقاً مركبة من طريقة


(١) انظر: المصدر السابق (٣/ ٤٥).
(٢) انظر: مجموع الفتاوى (٦/ ٣٤٤).
(٣) الرد على المنطقيين (ص: ٣١٤).
(٤) انظر: المصدر السابق (ص:٣١٤).

<<  <   >  >>