ولكن يا أخت (ضائعة) ربما هذا الوصف منك (ضائعة) صحيح على ما تذكرينه من علاقتك مع والدتك، فأنت فعلاً ضائعة، وأي ضياع أكثر ممن عقَّ والديه، فأنت حريصة على الناس في كسب ودهم، ونشر الخير فيهم ونصحهم، وتَسْعين جادة لتحسين علاقتك أكثر بهم، وأنت في الوقت نفسه على النقيض تماماً فيما بينك وبين والدتك، وإن كنت تقولين بأنك متضايقة من تصرفاتك الخشنة والقاسية مع أمك، وتتمنين أن تكوني هينة وأكثر رقة وتسامحاً ولطفاً ومودة، فالقول شيء، وكل يستطيع أن يقول مثل قولك هذا، بل وأكثر، لكن ما رصيد هذا القول من الواقع عندك، إنه مخالف تماماً، فلماذا لا يكون نصيب أمك أعظم وأفضل وأسمى من رصيد عامة الناس؟! فالعاطفة قولاً لا تفيد بمثل البر واقعاً ملموساً، فأنت على هذه الحال مع أمك مثل النخلة التي جذعها في البيت وتمرتها عند الجيران؛ لأنها مائلة، فأمك لا تستفيد منك سوى العاطفة غير ذات الأثر في الواقع، ومن الخطأ أن تقارني حالتك بحالة أمك، فتقولين: إنها هي أيضاً عصبية، فما دامت أمك عصبية وأنت وإخوانك تعانون منها في هذه الحال، فليس هذا بعذر لكم عند الله، بل يلزمكم جميعاً -وأنت خاصة- أن تراعوا حالتها وتدارونها وتصبرون على حالتها؛ حتى يكتب الله لكم الأجر مرتين، مرة لأنكم ستبرون بها، والثانية لأنكم صبرتم واحتسبتم عليها، ولا يجوز لكم أبداً أن تعاملوها بمثل ما تعاملكم به، وإن الإثم لعظيم جداً على كل من فرط في واجب البر بوالديه، وخاصة فيما يخص الأم؛ لأن حقها أعظم وألزم. فاتقي الله -أيتها الأخت- وانتقلي بتصرفاتك مع أمك من (ضائعة) ومن (ضارة) إلى (بارة) ومن (عصبية) إلى (حبيبة) ، واستعيني بالله، واصدقي اللهجة معه بالدعاء، واستغفري الله، وتوبي إليه، وأكثري من طلب السماح من أمك وأشعريها بتبدل حالك، واسألي الله لك ولها المعونة، فإذا هي غضبت يوماً منك وتحولت إلى عصبية فاكتمي أنفاسك كأنك أنت المخطئة، وسترين من الله التوفيق لكل خير، وأوصيك بأن تكثري من قراءة كتب المواعظ والرقائق، وسماع أشرطة النصح، وخاصة فيما يتعلّق بالجنة والنار وبر الوالدين، فأنت -حسب ما فهمت من كلامك - بحاجة ماسة إلى مزيد من الوقود الإيماني ليلين قلبك وتتذكري نفسك، وتتعظين لتنفذي نفسك من حلول العقوبة وفوات الوقت واحذري أن يفعل معك أبناؤك مثل ما تفعلينه مع أمك، فالجزاء من جنس العمل وكما تدين تدان. أعانك الله ورفعك، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.