الحلف بالله أمر عظيم يجب على المسلم ألا يتساهل في شأنه وألا يكثر منه، بل يقتصر على قدر الحاجة التي تدعو لذلك، وإذا حلف فإن عليه المحافظة على يمينه؛ فإن الله - جل وعلا- يقول في كتابه:"واحفظوا أيمانكم"[المائدة:٨٩] ، وهذا يشمل النهي عن الحلف من غير حاجة، والمحافظة على اليمين بعد الحلف، وألا يحنث فيها، لكن إذا تبيَّن له أن الاستمرار في مقتضى اليمين يجرّ إلى مفسدة، أو يمنع من مصلحة أكبر، فإنه يشرع له أن يكفِّر عن يمينه، ويخالف مقتضاها؛ لما ثبت في الحديث الصحيح الذي رواه الشيخان عن عبد الرحمن بن سمرة - رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:"إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها، فكفِّر عن يمينك وأت الذي هو خير" البخاري (٦٦٢٢) ، ومسلم (١٦٥٢) . ولهذا فإنك إذا رأيت المصلحة في مخالفة يمينك، فإنك مأجور على ذلك وعليك الكفارة، ولا ينبغي للمسلم أن يجعل الحلف بالله حائلاً بينه وبين فعل الخير وصلة القربى، ورعاية الحقوق، ونحو ذلك؛ فإن الله -تعالى- يقول:"ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس"[البقرة:٢٢٤] ، ولكن في الكفارة تفصيل ذكره الله - جل وعلا- في كتابه في سورة المائدة لا بد من اعتباره، حيث قال جلَّ ذكره:"لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدّتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم ... "[المائدة:٨٩] ، وعلى هذا فإن الكفارة للقادر تكون بالإطعام أو الكسوة أو العتق، فإذا عجز عن ذلك فإنه يكفر بالصوم ثلاثة أيام، أما من كان مستطيعاً لواحد من الثلاثة المتقدمة فإنه لا يجزئه الصوم، وعلى ذلك فإن كنت قادراً على الكسوة أو الإطعام فإن صومك لا يكفي عن الكفارة، وعليك أن تطعم المساكين أو تكسوهم. وبالله التوفيق.