بل ينبغي أن يتصدق بها. ويشهد لذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال:"من قال لصاحبه تعال أقامرك فليتصدق"(متفق عليه، البخاري ٤٨٦٠ ومسلم ١٦٤٧) ، فإذا كان مجرد العزم على المقامرة يستلزم الصدقة، فمن باب أولى أن يتصدق بما كسبه فعلاً من القمار، والربا أولى لأن حرمته آكد. وقال عليه الصلاة والسلام:"يا معشر التجار إن هذا البيع يحضره اللغو والحلف، فشوبوه بالصدقة"(رواه أحمد ١٦١٣٥ وغيره) . فإذا كان مأموراً بالصدقة مع حل العقد إذا خالطه اللغو والحلف، فمن باب أولى أن يتصدق إذا كان العقد نفسه محرماً. وروى ابن أبي حاتم في تفسيره أنه- صلى الله عليه وسلم - قال لأبي بكر لما راهن المشركين على ظهور الروم على الفرس وكسب الرهان:"هذا سحت فتصدق به"(تفسير ابن كثير والدر المنثور، سورة الروم) . فالواجب التصدق بهذا المال على الفقراء والمحتاجين ليطهر بذلك السائل نفسه وماله وتصدق توبته.
٦. وإذا كان السائل - إذا قبض المال الحرام وتاب من ذلك - هو نفسه فقيراً، فهو أولى بهذا المال من غيره من الفقراء، كما أفتى به شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ولأن في هذا إعانة له على التوبة وعدم الوقوع في المحرم مرة أخرى (تفسير آيات أشكلت، ص ٥٩٥) . فيأخذ منه قدر حاجته ويتصدق بالباقي، وبهذا أفتى فقهاء الحنفية والشافعية وبعض الحنابلة (انظر: أحكام المال الحرام، د. عباس الباز، ص ٢٨٤-٢٨٥) ، مع وجوب العمل الجاد على اجتناب أسباب الحرام وعدم تكرار الوقوع فيه مستقبلاً.
٧. وينبغي للمسلم أن يتقي الله - تعالى - في مصادر ماله، وأن يجتهد في تحري الحلال ففيه غُنية عن الحرام، ومن الدعاء الذي أمر به النبي- صلى الله عليه وسلم-: "اللهم اكفني بحلالك عن حرامك وأغنني بفضلك عن سواك." والله الهادي إلى سواء السبيل.