وهذه المعرفة الحاصلة بالآيات الكونية هي من معرفة العقل، فتحصل بالنظر والتفكُّر؛ ولهذا يقول تعالى:(أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ)[الأعراف: من الآية١٨٥] . ويقول تعالى:(أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ)[الروم: من الآية٨] . والآيات بهذا المعنى كثيرة، ومع ذلك فالمعرفة الحاصلة بالعقل هي معرفة إجمالية؛ إذ الإنسان لا يعرف ربه بأسمائه وصفاته، وأفعاله على وجه التفصيل، إلا بما جاءت به الرسل، ونزلت به الكتب، فالرسل– صلوات الله وسلامه عليهم- جاؤوا بتعريف العباد بربهم بأسمائه وصفاته وأفعاله، وبهذا يُعلم أن العقول عاجزة عن معرفة ما لله من الأسماء والصفات، وما يجب له، ويجوز عليه على وجه التفصيل، فطريق العلم بما لله من الأسماء والصفات تفصيلاً هو ما جاءت به الرسل، ومع ذلك فلا يحيط به العباد علمًا مهما بلغوا من معرفة، كما قال تعالى: (وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ
عِلْمًا" [طه: ١١٠] . وقال صلى الله عليه وسلم: "لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ" أخرجه مسلم (٤٨٦) . وبهذا يتبين أن من طرق معرفة الله طريقين: العقل، والسمع، وهو النقل، وهو ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الكتاب والسنة، وأن من أسمائه وصفاته ما يعرف بالعقل والسمع، ومنها ما لا يعرف إلا بالسمع.
وبهذه المناسبة يحسن التنبيه إلى أنه يجب تحكيم السمع، وهو الوحي، وجعل العقل تابعًا مهتديًا بهدى الله، ومن الضلال المبين أن يعارض النقل بالعقل، كما صنع كثير من طوائف الضلال من الفلاسفة والمتكلمين.