الأصول، ولو اعتبروا هذا الذي تقدم ذكره ما وقعوا في هذا الهدم والرد، قال الشاطبي في هذا:"وإذا تكاثرت على الناظر الأدلة عضد بعضها بعضا فصارت بمجموعها مفيدة للقطع، فكذلك الأمر في مآخذ الأدلة في هذا الكتاب وهي مآخذ الأصول، إلا ان المتقدمين من الأصوليين ربما تركوا ذكر هذا المعنى والتنبيه عليه، فحصل إغفاله من بعض المتأخرين، فاستشكل الاستدلال بالآيات على حدتها وبالأحاديث على انفرادها، إذ لم يأخذها مآخذ الاجتماع فكر عليها بالاعتراض نصا نصا، واستضعف الاستدلال بها على قواعد الأصول المراد منها القطع"(١). "وفي اعتباره" أي في اعتبار أن الأدلة إذا عضد بعضها بعضا صارت بمجموعها مفيدة للقطع "في الاستدلال" بما ذكر من النصوص "رفع" وإزالة "لما يعرض" في هذا الشأن"من اشكال" وهو كيف يستدل بالظني في إثبات القطعي. وهو ما أجيب عنه بما تقدم وهو أن الظنيات إذا تضافرت على أمر أفادت فيه القطع، ألا ترى الخمس الضروريات معلومة القطع على البتات.
"ألا ترى" أن "الخمس الضروريات" وهي الدين والنفس والمال والعقل والعرض، ووصفها بالضروريات لأن حفظها شرعا ضروري وهي "معلومة" أن حكمها "القطع" من جهة أنها ضرورية بلا ريب، بل "على البتات" أي القطع والجزم، لأن ذلك لا يحصل "بدليل" واحد"معين" في إفادة هذا الحكم "بل" ذلك يحصل بـ "جملة" أدلة متضافرة عليه لا تنحصر في باب واحد وهي التي "افضت" أوصلت "إلى التيقن" والقطع به. قال الشاطبي: "ودليل ذلك استقراء الشريعة والنظر في أدلتها الكلية والجزئية، وما انطوت عليه من هذه الأمور العامة، على حد الاستقراء المعنوي الذي لا يثبت بدليل خاص بل بأدلة منضاف بعضها إلى بعض، مختلفة الأغراض بحيث ينتظم من مجموعها أمر واحد تجتمع عليه تلك الأدلة، على حد ما ثبت عند العامة من جود حاتم وشجاعة علي - رضي الله عنه - وما أشبه ذلك فلم يعتمد الناس في إثبات قصد الشارع في هذه