الظنا كلها "تضافر" تعاضد واتفق "استقراؤها في "إفادة واقتضاء "معنى" واحد معين، كافادة النصوص الشرعية على قطع وجوب حفظ النفس، وافادة ما تواتر عن الصحابة من العمل بخبر الواحد وجوب العمل به - ومثل هذا كل ما تضافرت النصوص الشرعية على إثباته. "فجاوزت" بمقتضاها وحكمها "للقطع فيه" أي في هذا الذي تضافرت على إثباته "الظنا" الذي يفيده فيه ظني واحد "فالاجتماع فيه"من القوة "بالاطلاق" سواء كان اجتماعا معنويا - كاجتماع الأدلة على حكم ما - أو حسيا - كاجتماع الناس على حمل صخرة - مثلا - "ما لا يكون مع" حصول "الافتراق" وهذا بين، والحس والتجربة يشهدان عليه، "و" ذلك أن تضافر الأدلة الظنية ورفعها إياه إلى القطع "هو كذى" أي كخبر ذي "تواتر في المعنى" أي في الحكم والصورة "كجود حاتم" الطائي، فإنه قد ثبت بأخبار الآحاد في الأصل وهي لا تفيد إلا الظن، ثم لما تواترت الأخبار ارتقى الحكم فيه من الظن إلى القطع"بحيث عنا" أي في أي محل عرض ذكره. فالناس يقطعون بثبوته كما يقطعون بوجود مكة وبغداد وشجاعة علي - رضي الله عنه - فيكون شأن ثبوت هذا مثل "شأن ثبوت القطع" والجزم "بـ" وجوب "الصلاة" وبهيأتها التي تؤدى بها اليوم في بلاد أهل السنة "و" ثبوت القطع بوجوب "الحج" وكونه على هذه الهيئة التي يؤديه عليها أهل السنة في الجملة "و" ثبوت القطع بوجوب "الصيام" وثبوت القطع بوجوب إخراج "الزكاة" على من تجب عليه. وكل ذلك إنما يحصل بتضافر الأدلة الظنية عليه فصار اعتبار هذا الذي تقدم ذكره من أن الأدلة الظنية إذا تضافرت على أمر مفيد القطع فيه.
"وعدم اعتبار هذا أدّى" أي أوصل "قوما "من المتأخرين "لأن هدّوا" أي هدموا وردّوا "النصوص هَدَّا" المستدل بها في هذا العلم على حدتها، وانفرادها من غير ضم النصوص الأخرى التي تعضدها في الدلالة على ما دلت عليه في بناء المسائل الأصولية وإنما ردوها وهدموها لأنهم رأوا أنها أدلة ظنية وهي لا تفيد القطع، فلا يستدل بها في