فعلى هذا يكون الميل إلى الرخص في الفتيا بإطلاق مضادا للمشي على التوسط، كما أن الميل إلى التشديد مضاد له أيضا. وربما فهم بعض الناس أن ترك الترخص تشديد، فلا يجعل بينهما وسطا وهذا غلط، والوسط هو معظم الشريعة وأم الكتاب. ومن تأمل موارد الأحكام بالاستقراء التام عرف ذلك. وأكثر من هذا شأنه من أهل الانتماء إلى العلم يتعلق بالخلاف الوارد في المسائل العلمية، بحيث يتحرى الفتوى بالقول الذي يوافق هوى المستفتي، بناء منه على أن الفتوى بالقول المخالف لهواه تشديد عليه وحرج في حقه، وأن الخلاف إنما كان رحمة لهذا المعنى، وليس بين التشديد والتخفيف واسطة. وهذا قلب للمعنى المقصود في الشريعة، وقد تقدم أن اتباع الهوى ليس من المشقات التي يترخص بسببها، وأن الخلاف إنما هو رحمة من جهة أخرى، وأن الشريعة حمل على التوسط، لا على مطلق التخفيف، وإلا لزم ارتفاع مطلق التكليف من حيث هو حرج ومخالف للهوى، ولا على مطلق التشديد. فليأخذ الموفق في هذا الموضع حذره، فإنه مزلة قدم على وضوح الأمر فيه (١). ومع هذا فإنه "قد يسوغ" ويجوز "للمجتهد في "خاصة "نفسه" الأخذ بمسلك "الشدة" وأن يحمل نفسه ذلك في عبادته، بل "في" كل "ما يعتمد"ـه ويأتيه من الأعمال والتصريفات.
"لا كن" ذلك ليس على الإطلاق، بل هو سائغ فقط إذا كان "مع تبيينه" لما به التقوى، ولما اقتضاه الأخذ بالوسط اللائق بالجمهور في ذلك، "و" مع "أمنه" من "أن يقتدى" به "فيما اقتفى" لا في خاصة نفيه من الأخذ بالشدة، ومن أن يتبع "بشأنه" يعني في شأنه وما عليه من حال في هذا الأمر. (وذلك أنه لما كان مفتيا بقوله وفعله كان له أن يخفي ما لعله يقتدي به فيهن فربما اقتدى به فيه من لا طاقة له بذلك العمل فينقطع،