" والترك للحظ" وإلغاء اعتباره - صاحبه يثبت "له حالان" حالتان جليلتان: "أولاهما": مدركه ومنبعه ومثمره "حقيقة الإيمان" بالله تعالى - وما أوجب الإيمان به "وذاك" الوصف يحصل "بالترك" والإسقاط "للاستبداد" أي الانفراد - الانفراد بالمصلحة دون الخلق - "وبـ" الدخول في "المواساة" للخلق، وهو إشراكهم في الرزق، وإعانتهم على درك المعاش، ودفع كرب المصاب عنهم على سواء "في" ما هو من الأمور جار على وفق "الاعتياد" أي العادة في ذلك، وهذا أمر محمود جدا. وقد فعل ذلك في زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال عليه الصلاة والسلام:"إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قل طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد فهم مني وأنا منهم وذلك أن مسقط الحظ هنا قد رأى غيره مثل نفسه وكأنه أخوه أو ابنه أو قريبه أو يتيمه أو غير ذلك ممن طلب بالقيام عليه ندبا أو وجوبا وأنه قائم في خلق الله بالإصلاح والنظر والتسديد فهو على ذلك واحد منهم فإذا صار كذلك لم يقدر على الاحتجان لنفسه دون غيره ممن هو مثله بل ممن أمر بالقيام عليه كما أن الأب الشفيق لا يقدر على الانفراد بالقوت دون أولاده، فعلى هذا الترتيب كان الأشعريون رضي الله عنهم فقال عليه الصلاة والسلام فهم مني وأنا منهم لأنه عليه الصلاة والسلام كان في هذا المعنى الإمام الأعظم وفي الشفقة الأب الأكبر إذ كان لا يستبد بشيء دون أمته وفي مسلم عن أبي سعيد قال: بينما نحن في سفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل على راحلة له قال فجعل يصرف بصره يمينا وشمالا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له ومن كان معه فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له قال فذكر من أصناف المال ما ذكر حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل. (١)
"ومن هنا" أي هذا الموضع - وهو الإيثار على النفس والمواساة - أتى "شرعية" أي مشروعية "الزكاة" وإيجابها "و" كذلك مشروعية "ما يواليها" يدانيها - يشبهها - من جهة كونه "من الصّلات" وهي بكسر الصاد جمع صلة وهي العطية، وهي كالمنحة والعارية والإقراض