للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

٢٧٤٧ - ثُمَّ لِمَنْ قَلَّدَ أَنْ يَعْتَبِرَا … حَالَ التَّوَسُّطِ الذِي قَدْ قُرّرَا

٢٧٤٨ - فَيَتَحَرَّى جُهْدَ الاسْتِطَاعَهْ … مَذْهَبَ مَنْ تَخَيَّرَ اتّبَاعَهْ

وإن اتفق ظهوره للناس نبه عليه، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل؛ إذ كان قد فاق الناس عبادة وخلقا، وكان عليه الصلاة والسلام قدوة، فربما اتبع لظهور عمله فكان ينهى عنه في مواضع، كنهيه عن الوصال ومراجعته لعمرو بن العاص في سرد الصوم. وقد قال تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ} [الحجرات: ٧] وأمر بحل الحبل الممدود بين الساريتين، وأنكر على الحولاء بنت تويت قيامها الليل، وربما ترك العمل خوفا أن يعمل به الناس فيفرض عليهم. ولهذا والله أعلم أخفى السلف الصالح أعمالهم لئلا يتخذوا قدوة، مع ما كانوا يخافون عليه أيضا من رياء أو غيره، وإذا كان الإظهار عرضة للاقتداء لم يظهر منه إلا ما صح للجمهور أن يحتملوه) (١).

"فصل"

"ثم" بعد ثبوت من أن الصواب هو حمل الناس في الفتوى على التوسط، يتقرر أمر آخر مبينا على هذا وهو أنه يحق "لمن قلد" - أي للمقلد - غيره "أن يعتبرا" - الألف للإطلاف - ويختار "حال التوسط الذي قد قررا" أنه السبيل الأنهج في شأن الفتوى "فيتحرى" لذلك بقدر الطاقة و"جهد الاستطاعة" على وقف ذلك "مذهب من تخير" وانتقى "اتباعه" في فتواه، لأن من كان على هذا السبيل من المذاهب هو الذي يكون أجدر بالاتباع، وإن كانت المذاهب كلها طرقا إلى الله - تعالى -، ولكن الترجيح فيها لابد منه (لأنه أبعد من اتباع الهوى - كما تقدم - وأقرب إلى تحري قصد الشارع في مسائل الاجتهاد. فقد قالوا في مذهب داود لما وقف مع الظاهر مطلقا: إنه بدعة حدثت بعد المائتين. وقالوا في مذهب أصحاب الرأي لا يكاد المعرق في القياس إلا يفارق السنة. فإن كان رأي بين هذين فهو الأولى بالاتباع. والتعيين في هذا المذهب موكول إلى أهله، والله أعلم) (٢).

انتهى الكلام على الطرف الثاني. وبالله - تعالى - التوفيق.


(١) الموافقات ٤/ ١٩٠.
(٢) الموافقات ٤/ ١٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>