للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَمَرتُ برَفْعِها لأُذْكَرَ فيها وأُسبِّحَ فيها، ولتَكُونَ مَعْلَمًا لمن أراد أن يُصَلِّيَ فيها، يَقُولون: لو كان اللهُ يَقْدِرُ على أن يَجْمَعَ الفَتَنا لجمعها، ولو كان اللهُ يَقْدِرُ على أن يُفَقِّهَ قلوبَنا لأفْقَهَها. فاعمد إلى عودَين يابِسَين، ثم ائتِ بهما ناديهم (١) في أجمَعِ ما يَكُونون، فقُلْ للعودين: إن الله يَأْمُرُ كما أن تَكُونا عودًا واحدًا. فلما قال لهما ذلك، اختَلَطا فصارا واحدًا، فقال الله: قل لهم: إني قدَرتُ على أُلْفَةِ العيدانِ اليابسة وعلى أن أُولِّفَ بينها، فكيف لا أقْدرُ على أن أجمَعَ أُلْفَتَهم إن شئْتُ، أم كيف لا أقْدِرُ على أن أُفَقِّهَ قلوبَهم وأنا الذي صوَّرتُها! يقولون: صُمْنا فلم يُرْفَعْ صيامُنا، وصلَّينا فلم تُنَوَّرْ صلاتُنا، وتَصَدَّقنا فلم تَزْكُ صدقاتُنا، ودعَونا بمثل حَنينِ الحمام، وبَكَينا بمثل عُواء الذئب، في كلِّ ذلك لا نُسْمَعُ ولا يُسْتجابُ لنا. قال الله: فسَلْهُم ما الذي يَمْنَعُنى أن أستجيبَ لهم؟ ألستُ أسْمَعَ السامعين، وأبْصَرَ الناظرين، وأقْرَبَ المجيبين، وأرْحَمَ الراحمين! ألأنَّ ذاتَ يدى قلَّت! فكيف ويداى مبسوطَتان بالخير أُنْفِقُ كيف أشاءُ، ومفاتيحُ الخزائن عندى لا يَفْتَحُها ولا يُغْلِقُها غيرى، ألا وإن رحمتي وسعت كلَّ شيءٍ، إنما يَتَراحَمُ المتراحمون بفضلها، أو لأَنَّ البخلَ يَعْتَرِينَى، أو لستُ أكْرَمَ الأكرمين والفتاحَ بالخيراتِ، أَجْوَدَ مَن أَعطَى، وأَكْرَمَ مَن سُئل! لَو أَنَّ هؤلاء القومَ نظَروا لأنفسهم بالحكمة التي نوّرتُ في قلوبهم فنبَذوها، واشتروا بها الدنيا، إذَنْ لأبْصَروا من حيثُ أُتُوا، وإذن لأيْقَنوا أنَّ أنفسهم هي أعدَى العُداةِ لهم، فكيف أرْفَعُ صيامَهم وهم يُلبسونه بقولِ الزُّورِ، ويَتَقَوَّون عليه بطُعْمَةِ الحرام، وكيف أنوِّرُ صلاتهم وقلوبُهم صاغيةٌ إلى من يحاربُنى (٢) ويُحادُّنى ويَنْتَهِكُ محارمى! أم كيف تَزْكُو عندى صَدَقاتُهم وهم يتَصَدَّقون بأموال غيرهم، إنما أجُرُ (٣) عليها أهلها


(١) في م: "ناديهما".
(٢) في ص، ت ٢، ف: "حاربني"، وفي ت ١: "محاربتي".
(٣) في م: "أوجر".