للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأولى هذه الأقوالِ بتأويلِ الآية قولُ مَن قال: معنى قولِه: ﴿فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ﴾ [فأثابكم بغمِّكم] (١) أيُّها المؤمنون بحرمانِ اللهِ إياكم غَنيمةَ المشركين والظُّفَرَ بهم والنصرَ عليهم، وما أصابكم من القتلِ والجراحِ يومئذٍ - بعدَ الذي كان قد أَراكم في كلِّ ذلك ما تُحبُّون - بمعصيتِكم ربَّكم، وخلافِكم أمرَ نبيِّكم ؛ غمَّ ظنِّكم أن نبيَّكم قد قُتِل، وميلَ العدوِّ عليكم بعدَ فُلولِكم منهم.

والذي يَدُلُّ على أن ذلك أولى بتأويلِ الآية مما خالَفه [من الأقوالِ] (١) قولُه: ﴿لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ﴾. والفائتُ لا شَكَّ أنه هو ما كانوا رجَوا الوصولَ إليه مِن غيرِهم، إمَّا مِن ظهورٍ عليهم بغلَبِهم، وإما مِن غنيمةٍ يَحْتارُونها، وأن قولَه: ﴿إِوَلَا مَا أَصَابَكُمْ﴾ هو ما أصابهم إما في أبدانِهم، وإما في إخوانِهم.

فإذ كان ذلك كذلك، فمعلومٌ أن الغمَّ الثانيَ هو معنًى غيرُ هذين؛ لأن الله جلَّ ثناؤُه أخْبَر عبادَه المؤمنين به مِن أصحابِ رسولِ اللهِ ، أنه أثابهم غمًّا [بعدَ غمٍّ] (٢)؛ لئلا يُحْزِنَهم ما نالهم مِن الغمِّ الناشئِ عما فاتهم مِن غيرِهم، ولا ما أصابهم قبلَ ذلك في أنفسِهم، وهو الغمُّ الأولُ على ما قد بَيَّناه قبلُ.

وأما قولُه: ﴿لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ﴾، فإِن تأويلَه على ما قد بيَّنْتُ مِن أنه لكيلا تَحْزَنوا على ما فاتكم فلم تُدْرِكوه مما كنتم تَرْجون إدراكَه من عدوِّكم من الظَّفَر عليهم والظهورِ، وحِيازةِ غنائمِهم، ولا ما أصابكم في أنفسِكم من جرحِ مَن جُرح وقَتْلِ مَن قُتِل مِن إخوانِكم.

وقد ذكَرْنا اختلافَ أهلِ التأويلِ فيه قبلُ على السبيلِ التي اخْتَلَفوا فيه.


(١) سقط من: ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س.
(٢) في ص، م، ت ١، ت ٣، س: "بغم".