للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الجهادِ في سبيلِ اللهِ، بالتخلُّفِ عنه حينَ استُنْهِضوا لحربِ مَن استُنْهِضُوا لحربِه، وفتْحِ اللهِ على القليلِ من الفئةِ، مع تخذيلِ الكثيرِ منهم عن مَلِكِهم، وقُعودِهم عن الجهادِ معه؛ فإنه تأديبٌ لمَن كان بينَ ظَهْرانَيْ مُهاجَرِ رسولِ اللهِ من ذَرارِيِّهم وأبنائِهمِ يهودِ قُرَيْظَةَ والنَّضيرِ، وأنهم لن يَعْدُوا في تكذيبِهم محمدًا فيما أمَرهم به ونَهاهم عنه، مع علْمِهم بصدقِه، ومَعْرِفتِهم بحقيقةِ نُبوَّتِه، بعدَ ما كانوا يَستَنصرون الله به على أعدائِهم قبلَ رسالتِه، وقبلَ بعثةِ اللهِ إِيَّاه إليهم، وإلى غيرِهم أن يكونوا كأسلافِهم وأوائلِهم الذين كذَّبوا نبيَّهم شَمْويلَ بنَ بالى، مع عِلْمِهم بصدقِه، ومعرفتِهم بحقيقةِ نبوَّتِه، وامتناعِهم من الجهادِ مع طالوتَ لمَّا ابتَعَثه اللهُ مَلِكًا عليهم، بعدَ مسألتِهم نبيَّهم ابتعاثَ مَلِكٍ يُقاتِلون معه عدوَّهم، ويجاهِدون معه في سبيلِ ربِّهم، ابتداءً منهم بذلك نبيَّهم، وبعدَ مراجعةِ نبيِّهم شَمْويلَ إياهم في ذلك، وحضٌّ لأهلِ الإيمانِ باللهِ وبرسولِه من أصحابِ محمدٍ على الجهادِ في سبيلِه، وتحذيرٌ منه لهم أن يكونوا في التخلُّفِ عن نبيِّهم محمدٍ عندَ لقائِه العدوَّ، ومناهضتِه أهلَ الكفرِ باللهِ وبه، على مِثْلِ الذي كان عليه الملأُ من بني إسرائيلَ في تَخَلُّفهم عن مَلِكهم طالوتَ، إذ زحَف لحربِ عدوِّ اللهِ جالوتَ، وإيثارِهم الدَّعَةَ والخفضَ (١) على مباشرةِ حَرِّ الجهادِ، والقتالِ في سبيلِ اللهِ، وشَحْذٌ منه لهم على الإقدامِ على مُناجزة أهلِ الكفرِ به الحربَ، وتَرْكِ تهيُّبِ قتالِهم أن قلَّ عددُهم، وكَثُر عددُ أعدائِهم، واشتدَّت شَوكتُهم بقولِه: ﴿قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾. وإعلامٌ منه تعالى ذكرُه عبادَه المؤمنين به أن بيدِه النصرَ والظَّفَرَ والخيرَ والشرَّ.


(١) الخفض: العيش الطيب. اللسان (خ ف ض).