للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الزاكيةِ، يَعُدُّونَ أنفسَهم مع الظالمين والخاطئين، وإنهم لأنزاهٌ برآءُ، مع (١) المقصِّرِين والمفرِّطين، وإنهم لأكياسٌ أقوياءٌ، ولكنهم لا يستكثِرون للهِ الكثيرَ، ولا يَرضَوْن للهِ بالقليلِ، ولا يُدِلُّون عليه بالأعمالِ، فهم مُروَّعون مُفزَّعون مغتَمُّون، خاشِعون وجِلون، مستكِينون معترِفون، متى ما رأيتَهم يا أيوبُ.

قال أيوبُ: إن الله يزرَعُ الحكمةَ بالرحمةِ في قلبِ الصغيرِ والكبيرِ، فمتى نبتَت في القلبِ يُظهِرُها اللهُ على اللسانِ، وليست تكونُ الحكمةُ من قِبَل السنِّ ولا الشبيبةِ، [ولا] (٢) طولِ التجرِبةِ، وإذا جعَل اللهُ العبدَ حكيمًا في الصِّبَا (٣) لم تَسْقُطْ منزلتُه (٤) عندَ الحكماءِ، وهم يَرَون عليه من اللهِ نورَ الكرامةِ، ولكنكم قد أعجبَتْكُم أنفسُكم، وظنَنْتم (٥) أنكم عُوفِيتم بإحسانِكم، فهنالِك بغَيتم وتعزَّرْتم، ولو نظَرتم فيما بينَكم وبينَ رَبِّكم، ثم صدَقتم أنفسَكم، لوجَدتم لكم عيوبًا ستَرها اللهُ بالعافيةِ التي ألبَسكم، ولكني قد أصبَحتُ اليومَ وليس لى رأيٌ ولا كلامٌ معكم، قد كنتُ فيما خَلا مسموعًا كلامِي، معروفًا حقِّى، مُنتصِفًا من خَصْمِي، قاهرًا لمن هو اليومَ يقهَرُني، مَهيبًا مكانى، والرجالُ مع ذلك يُنصِتون لى ويوقِّرونى، فأصبَحتُ اليومَ قد انقَطَع رَجائى، ورُفِع حَذَرِى، ومَلَّنى أهلِى، وعَفَّنى أرحامِي، وتنكَّرَت لى معارِفي، ورغِب عنِّى صَديقي، وقطَعنى أصحابي، وكفَرني أهلُ بيتي، وجُحِدَتْ حُقوقي، ونُسِيت صنائِعى، أصرُخُ فلا يُصْرِخونَنى، وأعتذِرُ فلا يُعذِرونني، وإن قضاءَه هو الذي أذلَّنى، وأقمأَنى، وأخسأَنى، وإن سُلطانَه الذي أسقَمنى،


(١) في م، ت ١، ت ٢، ف: "ومع".
(٢) في ص، ت ١، ت ٢، ف: "إلا".
(٣) في م: "الصيام".
(٤) في ص، م، ت ١، ت ٢: "منزله".
(٥) في ص، ت ١، ت ٢، ف: "ظني".