للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من كان يعبد شيئا فليتّبع، فمنهم من يتّبع الشّمس، ومنهم من يتّبع القمر، ومنهم من يتّبع الطّواغيت، وتبقى هذه الأمّة فيها منافقوها، فيأتيهم الله- عزّ وجلّ- فيقول: أنا ربّكم، فيقولون: هذا مكاننا حتّى يأتينا ربّنا، فإذ جاء ربّنا عرفناه. فيأتيهم الله فيقول: أنا ربّكم، فيقولون: أنت ربّنا، فيدعوهم فيضرب الصّراط بين ظهراني جهنّم، فأكون أوّل من يجوز من الرّسل بأمّته، ولا يتكلّم يومئذ أحد إلا الرّسل، وكلام الرّسل يومئذ: اللهمّ سلّم سلّم. وفي جهنّم كلاليب مثل شوك السّعدان «١» ، هل رأيتم شوك السّعدان؟

قالوا: نعم. قال: «فإنّها مثل شوك السّعدان، غير أنّه لا يعلم قدر عظمها إلّا الله، تخطف النّاس بأعمالهم، فمنهم من يوبق بعمله، ومنهم من يخردل «٢» ثمّ ينجو. حتّى إذا أراد الله رحمة من أراد من أهل النّار أمر الله الملائكة أن يخرجوا من كان يعبد الله، فيخرجونهم، ويعرفونهم بآثار السّجود، وحرّم الله على النّار أن تأكل أثر السّجود. فيخرجون من النّار، فكلّ ابن آدم تأكله النّار إلّا أثر السّجود، فيخرجون من النّار قد امتحشوا «٣» ، فيصبّ عليهم ماء الحياة، فينبتون كما تنبت الحبّة في حميل السّيل «٤» ، ثمّ يفرغ الله من القضاء بين العباد، ويبقى رجل بين الجنّة والنّار، وهو آخر أهل النّار دخولا الجنّة مقبلا بوجهه قبل النّار، فيقول: يا ربّ، اصرف وجهي عن النّار، قد قشبني ريحها وأحرقني ذكاؤها «٥» . فيقول: هل عسيت إن فعل ذلك بك أن تسأل غير ذلك؟ فيقول: لا.

وعزّتك. فيعطي الله ما يشاء من عهد وميثاق، فيصرف الله وجهه عن النّار، فإذا أقبل به على الجنّة رأى بهجتها، سكت ما شاء الله أن يسكت، ثمّ قال:

يا ربّ، قدّمني عند باب الجنّة. فيقول الله له: أليس قد أعطيت العهود والميثاق أن لا تسأل غير الّذي كنت سألت؟ فيقول: يا ربّ، لا أكون أشقى خلقك.

فيقول: فما عسيت إن أعطيت ذلك أن لا تسأل غيره.

فيقول: لا. وعزّتك لا أسأل غير ذلك. فيعطي ربّه ما شاء من عهد وميثاق، فيقدّمه إلى باب الجنّة، فإذا بلغ بابها فرأى زهرتها وما فيها من النّضرة والسّرور.

فيسكت ما شاء الله أن يسكت، فيقول: يا ربّ، أدخلني الجنّة. فيقول الله: ويحك يا ابن آدم، ما أغدرك! أليس قد أعطيت العهود والميثاق أن لا تسأل غير الّذي أعطيت؟ فيقول: يا ربّ لا تجعلني أشقى خلقك. فيضحك الله- عزّ وجلّ- منه، ثمّ يأذن له في دخول الجنّة، فيقول: تمنّ، فيتمنّى. حتّى إذا انقطع أمنيّته قال الله- عزّ وجلّ-: زد من كذا وكذا- أقبل يذكّره ربّه- عزّ وجلّ- حتّى إذا انتهت به الأمانيّ قال الله تعالى: لك ذلك ومثله معه» .


(١) السعدان: نبت ذو شوك يكون شوكه كالحا إذا يبس ومنبته سهول الأرض وهو من أطيب مراعي الإبل مادام رطبا.
(٢) ومنهم من يخردل: المخردل المصروع المربيّ، وقيل المقطع، تقطعه كلاليب الصراط.
(٣) امتحشوا: احترقوا وصاروا فحما.
(٤) حميل السيل: ما يحمل من الغثاء والطين.
(٥) قشبنى ريحها وأحرقنى ذكاؤها: قشبنى أي آذانى وذكاؤها: شدّة وهج نارها.