للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والراجح أن قبيلة هذيل قد سعت للثأر من المسلمين لسفيان الهذلي فلجأت إلى الخديعة والغدر، وقد جزم الواقدي «١» بأن السبب هو أن بني لحيان وهم حي من هذيل، مشت إلى عضل والقارة وجعلت لهم جعلا ليخرجوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ويطلبوا منه أن يخرج معهم من يدعوهم إلى الإسلام، ويفقههم في الدين، فيكمنوا لهم ويأسروهم ويصيبوا بهم ثمنا في مكة «٢» .

وهكذا بعث الرسول صلّى الله عليه وسلّم هذه السريّة التي تتألف من عشرة من الصحابة «٣» . وجعل عليهم عاصم بن ثابت ابن الأقلح أميرا، حتى إذا كانوا بين عسفان ومكة أغار عليهم بنو لحيان- وهم قريب من مائتي مقاتل- فألجئوهم إلى تل مرتفع بعد أن أحاطوا بهم من كل جانب، ثم أعطوهم الأمان من القتل، ولكن قائد السريّة أعلن رفضه أن ينزل في ذمة كافر، فقاتلوهم حتى قتلوا عاصما في سبعة من أفراد السريّة بالنبال، ثم أعطى الأعراب الأمان من جديد للثلاثة الباقين، فقبلوا غير أنهم سرعان ما غدروا بهم بعد ما تمكّنوا منهم وقد قاومهم عبد الله بن طارق فقتلوه، واقتادوا الاثنين إلى مكة- وهما خبيب وزيد بن الدثنّة فباعوهما لقريش «٤» وكان ذلك في صفر سنة ٤ هـ «٥» . فأما خبيب فقد اشتراه بنو الحارث بن عامر بن نوفل فقتلوه بالحارث الذي كان خبيب قتله في بدر. ولما أخرجوا خبيبا من الحرم ليقتلوه صلى ركعتين قبل أن يقتل فكان أول من سن ذلك ثم دعا ربه قائلا: «اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تبق منهم أحدا» ، ثم تمثّل بشعر قال فيه:

ولست أبالي حين أقتل مسلما ... على أي شقّ كان في الله مصرعي

وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزّع «٦»

وأما ثانيهما- وهو زيد بن الدثنّة فقد اشتراه صفوان بن أميّة وقتله ثأرا لأبيه أميّة بن خلف الذي كان قد قتل ببدر. وقد سأله أبو سفيان قبل قتله: «أنشدك الله يا زيد أتحب أن محمدا الآن عندنا مكانك نضرب عنقه وأنت في أهلك؟ فقال والله ما أحب أن محمدا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وإني جالس في أهلي» «٧» .


(١) الواقدي- مغازي ١/ ٣٥٤- ٣٥٥.
(٢) يمكن التوفيق بين رواية البخاري وما ورد في كتب السيرة والمغازي بأن يكون الرسول قد قرر إرسالهم عينا للمسلمين ووافق ذلك قدوم الرهط من عضل والقارة فكلف أعضاء السرية بذلك الواجب في طريقهم لإنفاذ مهمتهم مما يوفر لهم الغطاء والحماية. وانظر: عرجون- محمد رسول الله ٤/ ٤١.
(٣) في رواية البخاري- الصحيح ٥/ ٤٠- ٤١ (حديث ٤٠٨٦) ورد أنهم عشرة من الصحابة، وقال ابن إسحاق (ابن هشام- السيرة ٣/ ١٦٥- ١٦٧) أنهم ستة، في حين جعلهم موسى بن عقبة سبعة.
(٤) ابن هشام- السيرة ٣/ ١٦٥- ١٦٧، الواقدي- مغازي ١/ ٣٥٧.
(٥) ابن حزم- جوامع السيرة ص/ ١٧٦.
(٦) البخاري- الصحيح ٥/ ٤٠- ٤١، أحمد- المسند ٢/ ٣١٠، ابن هشام- السيرة ٣/ ١٦٥- ١٦٧، وقد أورد ابن حجر زيادة في القصيدة إذ جعلها ثمانية أبيات.
(٧) ابن هشام- السيرة ٣/ ٢٤٥، ابن سعد- الطبقات ٢/ ٥٦ مرسلا عن ابن إسحاق.