أبو إسحق: قيل إنّ كلّ ما خلق الله يسبّح بحمده، وإنّ صرير السّقف، وصرير الباب من التّسبيح، فيكون على هذا الخطاب للمشركين وحدهم: وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ، وجائز أن يكون تسبيح هذه الأشياء بما الله به أعلم لا نفقه منه إلّا ما علّمناه، قال: وقال قوم وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ: أي ما من دابّة إلّا وفيه دليل أنّ الله- عزّ وجلّ- خالقه وأنّ خالقه حكيم مبرّأ من الأسواء ولكنّكم، أيّها الكفّار، لا تفقهون أثر الصّنعة في هذه المخلوقات، قال أبو إسحاق: وليس هذا بشيء؛ لأنّ الّذين خوطبوا بهذا كانوا مقرّين أنّ الله خالقهم وخالق السّماء والأرض ومن فيهنّ، فكيف يجهلون الخلقة وهم عارفون بها؟. قال الأزهريّ: وممّا يدلّك على أنّ تسبيح هذه المخلوقات تسبيح تعبّدت به قول الله- عزّ وجلّ- للجبال: يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ (سبأ/ ١٠) ، ومعنى أوّبي سبّحي مع داود النّهار كلّه إلى اللّيل، ولا يجوز أن يكون معنى أمر الله- عزّ وجلّ- للجبال بالتّأويب إلّا تعبّدا لها، وكذلك قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ (الحج/ ١٨) فسجود هذه المخلوقات عبادة منها لخالقها لا نفقهها عنها كما لا نفقه تسبيحها، وكذلك قوله: وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ (البقرة/ ٧٤) وقد علم الله هبوطها من خشيته ولم يعرّفنا ذلك فنحشن نؤمن بما أعلمنا، ولا ندّعي بما لا نكلّف بأفهامنا من علم فعلها كيفيّة نحدّها.
ومن صفات الله- عزّ وجلّ-: السّبّوح القدّوس، قال أبو إسحاق: السّبّوح الّذي ينزّه عن كلّ سوء، والقدّوس: المبارك، وقيل: الطّاهر، وقال ابن سيده: سبّوح قدّوس من صفة الله- عزّ وجلّ- لأنّه يسبّح ويقدّس، ويقال: سبّوح قدّوس، قال اللّحيانيّ: المجتمع عليه فيها الضّمّ، قال: سيبويه: إنّما قولهم سبّوح قدّوس ربّ الملائكة والرّوح، فليس بمنزلة سبحان لأنّ سبّوحا قدّوسا صفة، كأنّك قلت ذكرت سبّوحا قدّوسا فنصبته على إضمار الفعل المتروك إظهاره، كأنّه خطر على باله أنه ذكره ذاكر، فقال:
سبّوحا أي ذكرت سبّوحا، أو ذكره هو نفسه فأضمر مثل ذلك، فأمّا رفعه فعلى إظهار المبتدأ وترك إظهار ما يرفع، كترك إظهار ما ينصب. قال أبو إسحاق:
وليس في كلام العرب بناء على فعّول، بضمّ أوّله، غير هذين الاسمين الجليلين.
وسبحات وجه الله، بضمّ السّين والباء: أنواره وجلاله وعظمته.
قال ابن شميل: سبحات وجهه نور وجهه، وفي حديث آخر: حجابه النّور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه كلّ شيء أدركه بصره. سبحات وجه الله: جلاله وعظمته، وهي في الأصل جمع سبحة، وقيل: أضواء وجهه، قيل: سبحات الوجه محاسنه، لأنّك إذا رأيت الحسن الوجه، قلت: سبحان الله، وقيل: معناه تنزيه له أي سبحان وجهه. قال: وأقرب