للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حاضرا، ما هى بمهرك غالية. فامتعض لذلك عبّاس وقال لأسامة: كيف الحيلة فى الخلاص ممّا بلينا به؟! فقال: هيّن؛ هذا الخليفة فى كل وقت يأتى إلى عند ولدك فى داره خفية، فمره إذا جاء أن يقتله. فاستدعى عباس ابنه وقال: يا بنىّ قد أكثرت من ملازمة الخليفة وتحدّث النّاس فى حقّك بما أوجع باطنى، وقد يصل من هذا إلى أعدائنا ما لا يزول. فاحتدّ نصر وقال له: أيرضيك قتله؟ فقال: أزل التّهمة عنك كيف شئت.

فأخذ نصر يعمل الحيلة فى قتل الظّافر وسأله أن يخرج إلى داره ليلا فى سرّ من الخدم ليتفسّحا فى منزله ليلة واحدة؛ وكان منزله دار المأمون البطائحى. فخرج إليه فى عدّة يسيرة من الخدم؛ فلمّا تحصّل عنده اغتاله، وقتل الخدم الذين معه بالجماعة الّذين قتل بهم العادل ابن السّلار، ورمى بهم فى جبّ عنده، وغطّى رأس الجبّ بقطعة رخام بيضاء فصارت من جملة رخام المجلس، فخفى أمره. ثم مضى نصر إلى أبيه وعرّفه قتل الظافر.

وكان الظّافر من أحسن النّاس صورة، وقتل وله من العمر إحدى وعشرون سنة وتسعة أشهر وخمسة عشر يوما، منها مدّة خلافته أربع سنين وسبعة أشهر وأربعة عشر يوما. وكان محكوما عليه من الوزراء.

وفى أيّامه أخذ الفرنج عسقلان واستولوا عليها، وظهر الوهن والخلل فى الدّولة، فإنّه كان كثير اللهو واللّعب مع جواريه، مقبلا على سماع المغنى. وهو الّذى أنشأ الجامع المعروف الآن بجامع الفكاهين فى خطّ الشّوّايين من القاهرة (١).


(١) لا يزال هذا المسجد موجودا إلى الآن ويسميه المقريزى باسم جامع الفاكهيين، ويقول إنه كان يسمى جامع الأفخر ويعرف اليوم باسم جامع الفاكهانى نسبة إلى السيد محمد الأنور الفاكهانى. وله بابان أحدهما يطل غربا على شارع المعز لدين الله فى القسم الذى كان يعرف بشارع العقادين والآخر يطل على حارة خوش قدم من جهته الشمالية. وقد أنشأه الخليفة الظافر سنة ٥٤٨ (ويخطئ المقريزى والقلقشندى حين يحددان سنة ٥٤٣ تاريخا لبنائه إذ أن الظافر تولى الخلافة سنة ٥٤٤)، وكان قبل ذلك زريبة للكباش. وسبب بنائه جامعا أن خادما كان يشرف على الزريبة فرأى ذباحا وقد أخذ رأسين من الغنم فذبح أحدهما ورمى سكينه وذهب لقضاء حاجة له، فأتى رأس الغنم الآخر فأخذ السكين بفمه ورماها فى البالوعة، وجاء الذباح فلم يجد السكين فاستصرخ الخادم وخلصه منه، فرفعت القصة إلى أهل القصر فأمروا بعمارته مسجدا. ويقال إن الظافر كان يريد أن يدفن رأس الحسين، ، بهذا المسجد بعد أن استنقذها من عسقلان عند ما أخذها الفرنج، فأشار عليه أهل القصر بدفن الرأس الشريفة بداخل القصر. صبح الأعشى: ٣٦١:٣؛ المواعظ والاعتبار: ٢٩٣:٢؛ الخطط التوفيقية: ٣٠:٢.