للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقال له ما هذا؟ فأخبره بقضيتّه مع الوالى، فغضب على الوالى وأمر بخلع أخفافه من رجليه وصفعه بهما، حتى تقطّعا على قفاه، وصرفه من الولاية. وأطلع الشيخ أبا الحسن على قضية المأمون وأخيه؛ فقال يا مولانا: هما نشو أيّامك ومماليك دولتك. فقال لبعض الأستاذين خذ هذا الشّيخ وصوّبه إلى المذكورين لينظرهما فى اعتقالهما وينقطع رجاؤه منهما. فأدخله إليهما، فرآهما مكبّلين فى الحديد، وعليهما احتياط عظيم، فأنشأ للوقت سجلاّ كان من استفتاحه:

«أمّا بعد؛ فإن محمد بن فاتك استنجح فما نجح، واستصلح فما صلح؛ وجهل رفع قدره فغدا لهبوط، وقابل الإحسان إليه بدواعى القنوط». وكلّ ذلك فى تلك الليلة.

فلمّا أصبح الصّباح جلس الخليفة فى الشباك بالإيوان، ونصب كرسىّ الدعوة أمامه، وطلع قاضى القضاة عليه وقرأه بعد اجتماع الأمراء وأرباب الرّتب والعوامّ؛ فلم ينتطح فيها عنزان.

ويقال إن الخليفة كان يقول: أعظم ذنوبه عندى ما جرى منه فى حق صور وإخراجها من يد الإسلام إلى الكفر.

وبقيا فى الاعتقال، هما وأميران اتّهما، فى خزانة البنود. وسيّر لإحضار الذى كان أنفذه المأمون إلى اليمن ليقتلهم جميعا. وتفرّغ الآمر لنفسه، ولم يبق له فعل ولا مزاج، وبقى بغير وزير.

وأقيم صاحبا ديوان الاستخراج (١) بما يجب من زكاة ومقس (٢) أحدهما مسلم يقال له


(١) المقصود به استخراج المال وقبضه، وكتب الوصولات به. وعلى متولى الاستخراج، ويلقب بالجهبذ، عمل المخازيم والرزنامجات والختمات، ويطالب بما يقبضه ويخرج ما يرفعه من الحساب اللازم له من الأموال الديوانية. قوانين الدواوين: ٣٠٤.
(٢) يعدد القلقشندى وجوه الأموال الديوانية ويقسمها إلى ضربين رئيسيين وتحت كل منهما أنواع. أما الضرب الأول فهو الشرعى، وهو على سبعة أنواع منها الزكاة. أما الضرب الثانى فهو غير الشرعى وهو المكوس التى تتركز فى نوعين: ما يختص بالديوان السلطانى مثل المكوس التى تؤخذ عند السواحل: عيذاب، والقصير، والطور، والسويس، وما يؤخذ بحاضرة مصر: الفسطاط والقاهرة، وتكاد تصل إلى اثنين وسبعين مكسا. أما النوع الثانى من المكوس فهو ما لا اختصاص له بالديوان السلطانى وهو ما يتبع إقطاع ديوان أو أمير أو نحوهما. صبح الأعشى: ٤٤٨:٣ - ٤٦٧.