للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى الإسكندرية فانزعج الخليفة لذلك. ثم إنّه سيّر إلى اليمن الموفّق علىّ بن نجيب الدّولة (١)، وكان من أهل الأدب فصيحا داهية، ليحقّق لنسبه هناك ويدعو الناس إلى بيعته، فلمّا قيل للآمر هذا، ما شكّ فيه، وأخذ يتحيّل فى الإيقاع به بعد عود أخيه من ولايات الإسكندرية والغربيّة والبحيرة والجزيرتين (٢) والدّقهلية والمرتاحيّة (٣)؛ فاختلق الآمر قضية يلتمسها من الإسكندرية وهو مقيم بها، فسيّر أستاذا (٤) من ثقاته، ظاهره فيما ندبه إليه وباطنه فى العمل على المأمون وأخيه، وقال له: «أحرص على اجتماعك بعلىّ ابن السّلار فى المسايرة وسلّم عليه عنّا، وقل له إنّنا ما زلنا نلتفت إليه وندّخره لمهمّاتنا ونتحقّق فيه الموافاة لنا، وإنّا بحمد الله قادرون على المكافأة بالخير أكثر من غيرنا، وقد تلوّنت أحوال المأمون وبالغ فى عقوقنا بأشياء لا يتسع لها ذكرنا. ومقصودنا أن تكتم عنّا ما نقول لك».

فلما بلّغه الأستاذ ذلك عن الآمر قال: السّمع والطاعة لمولانا، وأنا مملوكه وأذلّ نفسى فى خدمته. فقال الأستاذ: هكذا والله قال عنك. قال ابن السّلار: فما يأمر به؟ قال: تحدث رجالك بأجمعهم فى الانفصال عن المؤتمن، أنت ومن تثق به.

فلمّا تقرر ذلك اتّفق علىّ بن السّلار هو وقايماز ودرى الحرون، وكانوا أمراء الجماعة فتفرّقوا عنه وتبعهم الباقون، فانفرد المؤتمن واستوحش وكاتب أخاه المأمون بذلك؛


(١) سبق أن أشرنا إلى أن الأفضل الجمالى هو الذى سير نجيب الدولة هذا إلى اليمن، فى سنة ٥١٣، تأييدا للملكة الحرة ملكة زبيد، وأن المأمون أيد نجيب الدولة فى المهمة التى أرسله الأفضل من أجلها.
(٢) يذكر ابن مماتى ضمن بلاد ولاية القوصية الجزيرتين المعروفتين بالقلمين. قوانين الدواوين: ١٠٨ - ١٠٩، وهما غير الجزيرتين المقصودتين هنا، ذلك أن نشاط المؤتمن حيدرة كان متركزا فى الوجه البحرى. ويذكر القلقشندى الجزيرتين بين فرقتى النيل الشرقية والغربية (يعنى بالفرقتين فرعى النيل) ويقول إن الجزيرة الأولى تشمل عملين: المنوفية والغربية، والجزيرة الثانية تمتد ما بين بحر أبيار والفرقة الغربية للنيل وتعرف بجزيرة بنى نصر. صبح الأعشى: ٤٠٥:٣ - ٤٠٦.
(٣) يقول القلقشندى: الدقهلية والمرتاحية مصاقبة لعمل الشرقية من جهة الشمال وينتهى أواخرها إلى السباخ وإلى بحيرة تنيس المتصلة بالطينة من طريق الشام. صبح الأعشى: ٤٠١:٣ - ٤٠٢. انظر أيضا قوانين الدواوين: ٨٨ - ٨٩ وفى مواضع أخرى متفرقة.
(٤) الأستاذون من خواص خدم الخليفة، وأجلهم المحنكون وهم الذين يدورون عمائمهم على أحناكهم كما يفعل بعض العرب والمغاربة، وكانت عدتهم تزيد على الألف. وكان من طريقتهم أنه متى ترشح أستاذ منهم للحنك حمل إليه كل أستاذ من المحنكين بدلة كاملة من ثيابه وفرسا وسيفا فيصبح لاحقا بهم. صبح الأعشى: ٤٧٧:٣.