للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نحيف يسمى أحمد أبا علىّ ويلقب بكتيفات، فيقال إنّه احتقره لما كان يرى فيه من العىّ والانقطاع؛ فكان منه ما يأتى خبره إن شاء الله تعالى.

واتّهم أيضا بقتل الأمير حسام الملك أفتكين، صاحب الباب، فى أيام الأفضل لتخوفه منه؛ وذلك أن حسام الملك دخل مرّة على الآمر للسلام، فلمّا خرج قال الآمر:

والله إنك لأمير حسن؛ فانه كان جميلا تام القامة وفيه عجب وتيه. فبلغ ذلك المأمون فقامت قيامته وأخذ فى العمل عليه حتى أخرجه فى العساكر التى يقال إنّ عدّتها عشرون ألفا، فكان من خبره على عسقلان مع الفرنج ما كان، وقتل من أصحابه يومئذ ما يزيد على عشرة آلاف، وعاد حسام الملك فبعثه إلى الإسكندرية ودسّ عليه من قتله.

قال ابن الطوير: ولمّا دفن الأفضل استعمل الآمر هذا الرجل، وكان يخاطب بالقائد من خدمة الأفضل فى الوساطة دون الوزارة، ونعته بجلال الإسلام. واستمرّ على ذلك، ثم كمّل له الوزارة وخلع عليه خلعة الوزارة إلا الطيلسان المقوّر، فباشرها، وكان متيقظا قد حذق الأمور ودربها من صحبة الأفضل وطول خدمته إيّاه. وكان بالدّار التى بالسيوفيّين بالقاهرة، وهى اليوم مدرسة للحنفيّة (١)، وأخذ يصبّ على تغلّب الأفضل مع الآمر، فصار يتغلّب على الآمر فى واحدة بعد واحدة من الجفاء والإقدام، والآمر يملى له ويحتمله، حتى استوحش كل منهما من الآخر.

وكان له أخ ينعت بالمؤتمن أبى تراب حيدرة، فرأى من الرأى أن يولى أخاه جانبا عظيما من ديار مصر ويجعل معه عسكر النّجدة ردءا إذا قصده الخليفة بضرر، فإنه ما دام أخوه يكون حاميا له، فيكون هو من داخل وأخوه من خارج. وجرّد معه مائة فارس من شدة الأجناد وكبرائهم، وأضاف إليهم أمثالهم، مثل على بن السّلار وتاج الملوك قايماز وسيف الملك الجمل ودرى الحرون وحسام الملك بسيل، وكلّ واحد من هؤلاء جيش بمفرده؛ والخليفة يعلم ذلك ولا يرده عليه. وزاد فى معناه حتى قيل إنّ الخليفة اطّلع على أنه ادّعى الخلافة وأنه من ولد نزار من جارية خرجت من القصر وهى حامل عند ما خرج نزار


(١) أنشأها صلاح الدين الأيوبى فى جزء من دار الوزير المأمون وخصصها للدراسة الفقهية على مذهب الإمام أبى حنيفة النعمان فى سنة ٥٧٢، وهى أول مدرسة وقفت على الحنفية فى مصر - وكان صلاح الدين شافعى المذهب - وعرفت بالسيوفية من أجل أن سوق السيوفيين كان حينئذ على بابها. المواعظ والاعتبار: ٣٦٥:٢ - ٣٦٦.