للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلمّا أصبح الصباح كان قد حمل من القصر فى الليل طوافير (١) فيها عدّة موائد للفطر فى يوم العيد، وحمل برسم فطر الخليفة الصّوانى الذهب وعليها اللّفائف الشّرب المذهبة. وكان قد هيّئ للخليفة من اللّيل موضع للمبيت بحيث يبعد عن الأفضل، وعيّن من وقع الاختيار عليه لقراءة القرآن عند الأفضل.

فلمّا كان السّحر من عيد الفطر جئ بين يدى الخليفة بما أحضر من قصوره فى مواعينه الذهب المرصّعة، وعليها المناديل المذهّبة من التّمر المحشو والجوارشيات بأنواع الطيب وغير ذلك؛ فاستدعى الخليفة القائد وأمره بالمضىّ إلى باب الحرم لإحضار الأجلّ المرتضى ابن الأفضل؛ فمضى لذلك، فأبت أمّه من تمكّنهم منه؛ فما زال بها حتّى أسلمته إليه بعد جهد. فأتى به الخليفة فسلم به، وضمّه الخليفة إليه وقبّله بين عينيه، وأجلسه عن يمينه والقائد عن شماله، وبقية الخواصّ على مراتبهم.

ثم كبر مؤذنو القصر، فسمّى الخليفة وأخذ تمرة وأكل بعضها وناولها للقائد، ثم ناول الثانية لولد الأفضل؛ فقام كلّ منهما وقبّل الأرض ولم يجلس. وتقدّم كلّ من الحاضرين فأخذ من يد الخليفة من التّمر ووقف. فاستدعى القائد الفراش الذى معه الصينيتان النحاس، وأمر فرّاشى الأسمطة بنقل ما فى الأوانى التى بين يدى الخليفة فى الصّوانى لتفرّق فى الأمراء الذين بالقاعة والدّهاليز، فنقلت إليها وحملت إلى المقرمة التى الأفضل وراءها وختم المقرءون.

ثم أظهر الخليفة الحزن على فقد وزيره، فتلثّم وتلثّم جميع المحنّكين والحاشية، وجلس الخليفة على المخدة عند المقرمة، وأمر حسام الملك، حاجب الباب، بإحضار القاضى والدّاعى والأمراء، فدخل الناس على طبقاتهم. فلمّا رأوا زىّ الخليفة اشتد البكاء والعويل، وخرّق كلّ أحد ما عليه، ورميت المناديل، يعنى العمائم، إلى الأرض، وبكى الخليفة وحاشيته ساعة. ثم سأل القائد الخليفة أن يفطر على ثمرة بحيث يشاهده جميع من حضر، ففعل ذلك.

ثم أشار الخليفة إلى القائد أن يكلّم الناس عنه: فقال: أمير المؤمنين يردّ السّلام


(١) جمع طيفور، إناء كبير كالصينية يستخدم لحمل الأطعمة والحلوى، يحملها الفراشون على رءوسهم فى شدة. النجوم الزاهرة: ٩٣:٤؛ صبح الأعشى: ٥٢٥:٣.