للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يدى الخليفة وهو قاعد على الحصير عند المقرمة، فقال الخليفة للأمراء: هذا وزيرى قد صار إلى الله تعالى، ومنكم إلىّ ومنى إليكم، وقد كان القائد واسطته إليكم وهو اليوم واسطتى إليكم. فشكر الحاضرون ذلك؛ هذا والقائد وولده مشدودو الأوساط بالمناطق وصاحب الباب على ما كانوا عليه. وتقدّم إلى الشيخ أبى الحسن بن أبى أسامة أن يكتب إلى الأعمال بذلك، وأمر الأمراء بالانصراف.

ثم قال القائد: يا مولانا؛ الأموال والجواهر على اختلافها فى الخزائن الكبار عنده، وهى مقفلة ومفاتيحها عندى، وختم عليها وهى فى بيت المال المصون؛ وكذلك المفضّض التى عند المستخدمين برسم الاستعمال والميناء الذهب المرصّعة والتى بغير ترصيع، والبلّور التى برسم استعماله؛ جميع ذلك مثبت عند متولّى دفتر المجلس إلا خزانة الكسوة التى برسم ملبوسه ما عندى منها خبر، فأمر من يدخل ويختم عليها. فأمر متولّى الخزائن الخاص، وكان سيف الأستاذين، ومتولّى بيت المال ومتولّى الدفتر، وهم كبار الأستاذين المحنّكين بأن يدخلوا ويجتمعوا، ولا يعترض غيرها لا لولده ولا لجهته ولا لبناته ولا لأحد من عياله.

فتوجّهوا وقرعوا الباب. فلما شاهدهم النّساء تحقّقوا الوفاة، وقام الصّراخ من جميع جوانب المواضع؛ وكانت ساعة أزعجت كلّ من بمصر والجيزة والجزيرة؛ ثم أسكتوا.

وأنفذت الرّسل لختم الخزائن التى بمصر. فبينما هم على ذلك فى الليل إذ وصل إلى الخليفة رقعتان على يد أستاذ من القاهرة، من رجلين من جملة الحاشية، يذكران فيها أن أولاد الأفضل قد جمعوا عدّة وشنّعت حاشيتهم أنّ فى بكرة هذه الليلة يستنصرون بالبساطية والأرمن ويثورون فى طلب الوزارة لأخيهم الأكبر. فامتعض الخليفة لذلك، وهمّ بالإرسال إليهم وقتلهم؛ ثم تقرّر الأمر على أن يودعوا الخزانة (١) من غير إهانة ولا قيود؛ فتوجّه إليهم، فإذا جميع حاشيتهم وغيرها عندهم، والخيل قد شدّت، فأودعوا الخزانة.


(١) المقصود بها خزانة البنود وكانت فى الأصل خزانة للسلاح وللأعلام، واستعملت فى حالات كثيرة معتقلا لكبار القوم إذا غضب عليهم الخليفة، وفيها كانوا يقتلون ويدفنون. وفى أيام الناصر محمد بن قلاون أصبحت سجنا للأسرى من الفرنج. المواعظ والاعتبار: ٤٢٣:١ - ٤٢٥؛ النجوم الزاهرة: ٤٧:٤؛ والجزء الثانى من هذا الكتاب فى مواضع متفرقة؛ وصبح الأعشى: ٣٥٤:٣.