إليها أن يتوجه الفرنج بجملتها إلى الدّيار المصرية ولا يتبين لك فيها أثر ولا تتبعهم، ولو كان وراءهم مثل ما كان أمامهم ما عاد منهم أحد». فلمّا وصل إليه الكتاب سار بعسكره إلى عسقلان، فتلقّاه المقدّمون، ونزل أعظم منزل، وحملت إليه الضّيافات. وحمل إليه من مصر الخيام وعدّة وافرة من الخيل والكسوات والبنود والأعلام، وسيف ذهب، ومنطقة ذهب، وطوق ذهب، وبدنة طميم، وخيمة كبيرة معلمة، ومرتبة ملوكية، وفرشها وجميع آلاتها وسائر ما تحتاج إليه من آلات الفضّة. وجهّز لشمس الخواص، وهو مقدّم كبير كان معه على عدّة كثيرة من العسكر، خلعه مذهبة ومنطقة ذهب وسيف ذهب؛ وجهّز برسم المتميّزين من الواصلين خلع مذهبة وحريريّة، وسيوف مغموسة بالذهب. فتواصلت الغارات على بلاد العدوّ، وقتل منهم وأسر عدد كبير.
فلمّا دخل الشتاء وتفرّق العسكر والعربان، استأذن ظهير الدين على الانصراف، فأذن له، وسيّرت إليه وإلى من معه الخلع ثانيا؛ فحصل لشمس الخواصّ خاصة فى هذه السّفرة ما مقداره عشرة آلاف دينار؛ وتسلّم الأمير ظهير الدّين الخيمة الكبيرة بفرشها وجميع آلاتها؛ وكان مقدار ما حصل له ولأصحابه ثلاثين ألف دينار. وذكر أن المنفق فى هذه الحركة على ركاب بغدوين مائة ألف دينار.
ورعشت يد الأفضل، وصعب عليه إمساك القلم والعلامة (١) على الكتب، فأقرّر أخاه أبا محمّد جعفر المظفر فى العلامة، وجعل له خمسمائة دينار فى الشهر مضافا إلى رسمه، فعلّم عنه.
واستهلّ شهر رمضان، فجرى الأمر فى نيابة الأجلّ سماء الملك، ولد الأفضل، عنه فى جلوسه بمحلّ الشباك، وقرّر له على هذه النّيابة فى هذا الشهر خمسمائة دينار، وبذلة مذهّبة، ورزمة كسوة فيها شقق حرير وغيرها. ولم يزل هذا الرّسم مستقرّا إلى أن أخذه
(١) عن العلامة يقول المقريزى إن العادة جرت على أن السلطان يكتب «خطه» على كل ما يأمر به، فأما مناشير الأمراء والجند وكل من له إقطاع فإنه يكتب عليه «علامته». المواعظ والاعتبار: ٢١١:٢؛ السلوك: ٣٤٤:١.