للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شاهقا فى الهواء غريب البناء، وتطلب حمال السلاح فظفر بقوم منهم، وضرب أعناقهم، وصلب جثثهم، وعلّق رءوسهم على الأبواب، وفيها رأس إسحاق بن عصودا.

وكان ابن أبى يعلى لما انهزم خرج إلى الغوطة يريد بغداد، فقبض عليه ابن عليان العدوى عند تدمر، وجاء به إلى جعفر بن فلاح، فشهّره على جمل، وفوق رأسه قلنسوة (١) وفى لحيته ريش وبيده قصبة، ثم بعث به إلى مصر.

وأما محمد بن عصودا فإنه لحق بالقرامطة فى الأحساء (٢) - هو وظالم بن موهوب العقيلى - لما انهزم بنو عقيل عن حوران والبثنيّة، فحثوهم على المسير إلى دمشق.

فلما كان فى ربيع الأول سنة ستين أنفذ جعفر غلامه فتوح على عسكر إلى أنطاكية، وكان لها فى أيدى الروم نحو من ثلاث سنين، وسيّر إلى أعمال دمشق وطبرية وفلسطين فجمع منها الرجال، وبعث عسكرا بعد عسكر إلى أنطاكية، وكان الوقت شتاء، فنازلوها حتى انصرم الشتاء، وسارت القوافل وهم ملحون فى القتال، فأردفهم جعفر بعساكر فى نحو أربعة آلاف مددا لهم، فظفروا بنحو مائتى بغل تحمل علوفة لأهل أنطاكية فأخذوها وقد أشرفوا على اسكندرونة وعليها عساكر الروم فواقعوهم، فانهزم العسكر، وقتلوا منهم كثيرا.

وورد على ابن فلاح خبر هزيمة عسكره، وخبر مسير القرامطة إلى الشام، وأنهم وردوا الكوفة. فأمدهم صاحب بغداد بالسلاح، وكتب لهم بأربعمائة ألف درهم على أبى تغلب ابن حمدان، تقوية لهم على حرب المغاربة، فبعث إلى غلامه فتوح برحيله عن أنطاكية ومصيره إليه، فوافاه ذلك أول رمضان، فسار بمن معه، وتركوا كثيرا من العلف والطعام، وأتوه إلى دمشق، فصار كل قوم منهم إلى أماكنهم.


(١) القلنسوة والقلنسية ما يلف على الرأس تكويرا مثل العمامة. انظر:
(Dozy:Dict.des Vets) .
(٢) الاحساء لغة جمع حسى وهو الماء الذى تنشقه الأرض من الرمل فاذا صار الى صلابة أمسكته، فتحفر العرب عند الرمل فتستخرجه، والاحساء (كما ذكر ياقوت فى معجم البلدان): «مدينة بالبحرين كان أول من عمرها وحصنها وجعلها قصبة هجر أبو طاهر الحسن بن أبى سعيد الجنابى القرمطى، وهى الى الآن - أى القرن السابع الهجرى - مدينة مشهورة عامرة»!