للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

«الأرض، إلا الشريف والوزير».

وتقدّم الناس واحدا واحدا، فلما فرغوا من السلام عليه عاد الناس إلى الفسطاط.

فلما زالت الشمس أقبلت العساكر، فعبرت الجسر، ودخلت أفواجا أفواجا، ومعهم صناديق المال على البغال، - ويقال إن المال كان فى ألف وخمسمائة صندوق -، وأقبلت القباب، وأقبل جوهر فى حلة مذهبة مثقل فى فرسانه ورجالته، وقاد العسكر بأسره إلى المناخ الذى رسم له المعز موضع القاهرة؛ واختطّ موضع القصر، وأقام عسكره سبعة أيام يدخل - من يوم الثلاثاء إلى [آخر] يوم الاثنين -، واستقرت به الدار.

وجاءته الألطاف والهدايا فلم يقبل من أحد طعاما إلا من الشريف مسلم، ويقال: لما أناخ جوهر فى موضع القاهرة الآن اختطّ القصر، فأصبح المصريون ليهنئوه، فوجدوه قد حفر أساس القصر فى الليل.

ويقال إن جوهر لما بنى القصور، وأدار عليها السور سماها: «المنصورية (١)»، فلما قدم المعز لدين الله إلى الديار المصرية سماها «القاهرة» (١).


(١) أورد المقريزى هنا وفى (الخطط، ج ٢، ص ٢٠٤) رأيين فى سبب تسمية عاصمة الفاطميين بالقاهرة.
أولهما أن جوهر سماها المنصورية، فلما أتى المعز بعد أربع سنوات سماها القاهرة تفاؤلا بأنها ستقهر الدولة العباسية المنافسة.
وثانيهما قصة الحبال والجرس والغراب.
والنظرة العلمية الصحيحة ترجح صحة الرأى الأول، فقد اختار جوهر لبناء القاهرة موقعا خارج العاصمة القديمة كما كانت منصورية المغرب خارج القيروان، وقد سمى بابان من أبواب المدينة المصرية باسمى زويلة والفتوح وهما اسمان لبابين فى منصورية المغرب، كذلك من المرجح أن يكون جوهر سمى العاصمة المصرية الجديدة المنصورية تقربا لسيده وخليفته المعز باحياء ذكرى والده المنصور.
أما قصة الغراب فهى أقرب الى الخيال، ومما ينفيها نفيا باتا - رغم أخذ الكثيرين من المؤرخين بها - أن (المسعودى: مروج الذهب، ج ١، ص ٢١٥) يروى قصة شديدة الشبه جدا بهذه القصة وينسبها الى الاسكندر عند بنائه للاسكندرية، والذى أرجحه أن المقريزى نقل الرأى الأول الصحيح عن مصادر فاطمية، ثم نقل القصة الثانية عن مراجع متأخرة شبه عليها الأمر عند الكلام عن قاهرة المعز، فاقتبست ما قيل عن اسكندرية الاسكندر، انظر أيضا (كرزويل: تأسيس القاهرة، الترجمة العربية للسيد محمد رجب، مجلة المقتطف، نوفمبر وديسمبر سنة ١٩٣٤).