نَكَثُوا عَهْدَهُ، وَكَانَ الزُّبَيْرُ هُوَ الَّذِي حَرَّكَ عَائِشَةَ عَلَى الْخُرُوجِ فَدَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يَكْفِيَنِيهِ، فَلَقِيَنِي كَفُّهُ بِكَفِّهِ فَمَا رَضِيتُ لِشِدَّةِ سَاعِدِي أَنْ قُمْتُ فِي الرِّكَابِ فَضَرَبْتُهُ عَلَى رَأْسِهِ ضَرْبَةً فَصَرَعْتُهُ، فَذَكَرَ الْقِصَّةَ فِي أَنَّهُمَا سَلِمَا.
قَوْلُهُ: (بَعَثَ عَلِيٌّ، عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ، وَحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ فَقَدِمَا عَلَيْنَا الْكُوفَةَ) ذَكَرَ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، وَالطَّبَرِيُّ سَبَبَ ذَلِكَ بِسَنَدِهِمَا إِلَى ابْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ أَقَرَّ أَبَا مُوسَى عَلَى إِمْرَةِ الْكُوفَةِ، فَلَمَّا خَرَجَ مِنَ الْمَدِينَةِ أَرْسَلَ هَاشِمُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ إِلَيْهِ أَنْ أَنْهِضْ مَنْ قِبَلَكَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَكُنْ مِنْ أَعْوَانِي عَلَى الْحَقِّ. فَاسْتَشَارَ أَبُو مُوسَى السَّائِبَ بْنَ مَالِكٍ الْأَشْعَرِيَّ فَقَالَ: اتَّبِعْ مَا أَمَرَكَ بِهِ. قَالَ: إِنِّي لَا أَرَى ذَلِكَ، وَأَخَذَ فِي تَخْذِيلِ النَّاسِ عَنِ النُّهُوضِ، فَكَتَبَ هَاشِمٌ إِلَى عَلِيٍّ بِذَلِكَ وَبَعَثَ بِكِتَابِهِ مَعَ عَقْلِ بْنِ خَلِيفَةَ الطَّائِيِّ، فَبَعَثَ عَلِيٌّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ، وَالْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ يَسْتَنْفِرَانِ النَّاسَ، وَأَمَّرَ قَرَظَةَ بْنَ كَعْبٍ عَلَى الْكُوفَةِ، فَلَمَّا قَرَأَ كِتَابَهُ عَلَى أَبِي مُوسَى اعْتَزَلَ وَدَخَلَ الْحَسَنُ، وَعَمَّارٌ الْمَسْجِدَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: أَقْبَلَ طَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ حَتَّى نَزَلَا الْبَصْرَةَ فَقَبَضَا عَلَى عَامِلِ عَلِيٍّ عَلَيْهَا ابْنِ حَنِيفٍ، وَأَقْبَلَ عَلِيٌّ حَتَّى نَزَلَ بِذِي قَارٍ، فَأَرْسَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ إِلَى الْكُوفَةِ فَأَبْطَأُوا عَلَيْهِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ عَمَّارًا فَخَرَجُوا إِلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَكَانَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ فَوْقَ الْمِنْبَرِ فِي أَعْلَاهُ وَقَامَ عَمَّارٌ أَسْفَلَ مِنَ الْحَسَنِ، فَاجْتَمَعْنَا إِلَيْهِ فَسَمِعْتُ عَمَّارًا يَقُولُ) زَادَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ: صَعِدَ عَمَّارٌ الْمِنْبَرَ فَحَضَّ النَّاسَ فِي الْخُرُوجِ إِلَى قِتَالِ عَائِشَةَ وَفِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ آدَمَ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ: فَقَالَ عَمَّارٌ: إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بَعَثَنَا إِلَيْكُمْ لِنَسْتَنْفِرَكُمْ، فَإِنَّ أُمَّنَا قَدْ سَارَتْ إِلَى الْبَصْرَةِ. وَعِنْدَ عُمَرَ بْنِ شَبَّةَ، عَنْ حِبَّانَ بْنِ بِشْرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ آدَمَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ: فَكَانَ عَمَّارٌ يَخْطُبُ وَالْحَسَنُ سَاكِتٌ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى فِي الْقِصَّةِ الْمَذْكُورَةِ: فَقَالَ الْحَسَنُ: إِنَّ عَلِيًّا يَقُولُ: إِنِّي أُذَكِّرُ اللَّهَ رَجُلًا رَعَى لِلَّهِ حَقًّا إِلَّا نَفَرَ، فَإِنْ كُنْتُ مَظْلُومًا أَعَانَنِي وَإِنْ كُنْتُ ظَالِمًا أَخْذَلَنِي، وَاللَّهِ إِنَّ طَلْحَةَ، وَالزُّبَيْرَ لَأَوَّلُ مَنْ بَايَعَنِي ثُمَّ نَكَثَا، وَلَمْ أَسْتَأْثِرْ بِمَالٍ وَلَا بَدَّلْتُ حُكْمًا، قَالَ: فَخَرَجَ إِلَيْهِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ رَجُلٍ.
قَوْلُهُ: (إِنَّ عَائِشَةَ قَدْ سَارَتْ إِلَى الْبَصْرَةِ، وَوَاللَّهِ إِنَّهَا لَزَوْجَةُ نَبِيِّكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ; وَلَكِنَّ اللَّهَ ابْتَلَاكُمْ لِيَعْلَمَ إِيَّاهُ تُطِيعُونَ أَمْ هِيَ) فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ: لِيَعْلَمَ أَنُطِيعُهُ أَمْ إِيَّاهَا، وَفِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ بَعْدَ قَوْلِهِ قَدْ سَارَتْ إِلَى الْبَصْرَةِ: وَوَاللَّهِ إِنِّي لَأَقُولُ لَكُمْ هَذَا وَوَاللَّهِ إِنَّهَا لَزَوْجَةُ نَبِيِّكُمْ، زَادَ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ فِي رِوَايَتِهِ: وَأَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بَعَثَنَا إِلَيْكُمْ وَهُوَ بِذِي قَارٍ. وَوَقَعَ عِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ شِمْرِ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ: قَالَ عَمَّارٌ: إِنَّ أُمَّنَا سَارَتْ مَسِيرَهَا هَذَا، وَإِنَّهَا وَاللَّهِ زَوْجُ مُحَمَّدٍ ﷺ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ ابْتَلَانَا بِهَا لِيَعْلَمَ إِيَّاهُ نُطِيعُ أَوْ إِيَّاهَا، وَمُرَادُ عَمَّارٍ بِذَلِكَ أَنَّ الصَّوَابَ فِي تِلْكَ الْقِصَّةِ كَانَ مَعَ عَلِيٍّ، وَأَنَّ عَائِشَةَ مَعَ ذَلِكَ لَمْ تَخْرُجْ بِذَلِكَ عَنِ الْإِسْلَامِ وَلَا أَنْ تَكُونَ زَوْجَةَ النَّبِيِّ ﷺ فِي الْجَنَّةِ. فَكَانَ ذَلِكَ يُعَدُّ مِنْ إِنْصَافِ عَمَّارٍ وَشِدَّةِ وَرَعِهِ وَتَحَرِّيهِ قَوْلَ الْحَقِّ. وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي يَزِيدَ الْمَدِينِيِّ قَالَ: قَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، لِعَائِشَةَ لَمَّا فَرَغُوا مِنَ الْجَمَلِ: مَا أَبْعَدَ هَذَا الْمَسِيرِ مِنَ الْعَهْدِ الَّذِي عُهِدَ إِلَيْكُمْ؛ يُشِيرُ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ﴾ فَقَالَتْ: أَبُو الْيَقْظَانِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَتْ: وَاللَّهِ إِنَّكَ مَا عَلِمْتَ لَقَوَّالٌ بِالْحَقِّ. قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي قَضَى لِي عَلَى لِسَانِكِ.
وَقَوْلُهُ: لِيَعْلَمَ إِيَّاهُ تُطِيعُونَ أَمْ هِيَ قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ: الضَّمِيرُ فِي إِيَّاهُ لِعَلِيٍّ، وَالْمُنَاسِبُ أَنْ يُقَالَ: أَمْ إِيَّاهَا، لَا هِيَ. وَأَجَابَ الْكِرْمَانِيُّ بِأَنَّ الضَّمَائِرَ يَقُومُ بَعْضُهَا مَقَامَ بَعْضٍ، انْتَهَى وَهُوَ عَلَى بَعْضِ الْآرَاءِ. وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ آدَمَ بِسَنَدِ حَدِيثِ الْبَابِ: وَلَكِنَّ اللَّهَ ابْتَلَانَا بِهَا لِيَعْلَمَ أَنُطِيعُهُ أَمْ إِيَّاهَا فَظَهَرَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَصَرُّفِ الرُّوَاةِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute