عَمِّهِ وَاسِعِ بْنِ حَبَّانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إِنَّ نَاسًا يَقُولُونَ: إِذَا قَعَدْتَ عَلَى حَاجَتِكَ فَلَا تَسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ وَلَا بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: لَقَدْ ارْتَقَيْتُ يَوْمًا عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ لَنَا، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَلَى لَبِنَتَيْنِ مُسْتَقْبِلًا بَيْتَ الْمَقْدِسِ لِحَاجَتِهِ، وَقَالَ: لَعَلَّكَ مِنْ الَّذِينَ يُصَلُّونَ عَلَى أَوْرَاكِهِمْ، فَقُلْتُ: لَا أَدْرِي وَاللَّهِ. قَالَ مَالِكٌ: يَعْنِي الَّذِي يُصَلِّي وَلَا يَرْتَفِعُ عَنْ الْأَرْضِ، يَسْجُدُ وَهُوَ لَاصِقٌ بِالْأَرْضِ.
[الحديث ١٤٥ - أطرافه في ٣١٠٢، ١٤٩، ١٤٨]
قَوْلُهُ: (بَابُ مَنْ تَبَرَّزَ) بِوَزْنِ تَفَعَّلَ مِنَ الْبَرَازِ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ الْفَضَاءُ الْوَاسِعُ، كَنَّوْا بِهِ عَنِ الْخَارِجِ مِنَ الدُّبُرِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْغَائِطِ.
قَوْلُهُ: (عَلَى لَبِنَتَيْنِ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ النُّونِ تَثْنِيَةُ لَبِنَةٍ وَهِيَ مَا يُصْنَعُ مِنَ الطِّينِ أَوْ غَيْرِهِ لِلْبِنَاءِ قَبْلَ أَنْ يُحْرَقَ.
قَوْلُهُ: (يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ) هُوَ الْأَنْصَارِيُّ الْمَدَنِيُّ التَّابِعِيُّ، وَكَذَا شَيْخُهُ وَشَيْخُ شَيْخِهِ فِي الْأَوْصَافِ الثَّلَاثَةِ، وَلَكِنْ قِيلَ: إِنَّ لِوَاسِعٍ رُؤْيَةً فَذُكِرَ لِذَلِكَ فِي الصَّحَابَةِ، وَأَبُوهُ حِبَّانُ هُوَ ابْنُ مُنْقِذِ بْنِ عُمَرَ لَهُ وَلِأَبِيهِ صُحْبَةٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْمُقَدِّمَةِ أَنَّهُ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ.
قَوْلُهُ: (أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ) أَيِ ابْنُ عُمَرَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَتِهِ، وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ قَرِيبًا، فَأَمَّا مَنْ زَعَمَ أَنَّ الضَّمِيرَ يَعُودُ عَلَى وَاسِعٍ فَهُوَ وَهْمٌ مِنْهُ، وَلَيْسَ قَوْلُهُ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ جَوَابًا لِوَاسِعٍ، بَلِ الْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَقَالَ سَبَبِيَّةٌ ; لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَوْرَدَ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ مُنْكِرًا لَهُ، ثُمَّ بَيَّنَ سَبَبَ إِنْكَارِهِ بِمَا رَوَاهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، وَكَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُولَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ. . . إِلَخْ، وَلَكِنَّ الرَّاوِيَ عَنْهُ - وَهُوَ وَاسِعٌ - أَرَادَ التَّأْكِيدَ بِإِعَادَةِ قَوْلِهِ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ.
قَوْلُهُ: (إِنَّ نَاسًا) يُشِيرُ بِذَلِكَ إِلَى مَنْ كَانَ يَقُولُ بِعُمُومِ النَّهْيِ كَمَا سَبَقَ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَمَعْقِلٍ الْأَسَدِيِّ وَغَيْرِهِمْ.
قَوْلُهُ: (إِذَا قَعَدْتَ) ذَكَرَ الْقُعُودَ لِكَوْنِهِ الْغَالِبَ وَإِلَّا فَحَالُ الْقِيَامِ كَذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (عَلَى حَاجَتِكَ) كَنَّى بِهَذَا عَنِ التَّبَرُّزِ وَنَحْوِهِ.
قَوْلُهُ: (لَقَدْ) اللَّامُ جَوَابُ قَسَمٍ مَحْذُوفٍ.
قَوْلُهُ: (عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ لَنَا) وَفِي رِوَايَةِ يَزِيدَ الْآتِيَةِ عَلَى ظَهْرِ بَيْتِنَا وَفِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْآتِيَةِ عَلَى ظَهْرِ بَيْتِ حَفْصَةَ أَيْ: أُخْتِهِ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ، وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ دَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ فَصَعِدْتُ ظَهْرَ الْبَيْتِ. وَطَرِيقُ الْجَمْعِ أَنْ يُقَالَ: إِضَافَتُهُ الْبَيْتَ إِلَيْهِ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ لِكَوْنِهَا أُخْتَهُ فَلَهُ مِنْهُ سَبَبٌ، وَحَيْثُ أَضَافَهُ إِلَى حَفْصَةَ كَانَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ الْبَيْتُ الَّذِي أَسْكَنَهَا النَّبِيُّ ﷺ فِيهِ وَاسْتَمَرَّ فِي يَدِهَا إِلَى أَنْ مَاتَتْ فَوَرِثَ عَنْهَا، وَسَيَأْتِي انْتِزَاعُ الْمُصَنِّفِ ذَلِكَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ الْخُمُسِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَحَيْثُ أَضَافَهُ إِلَى نَفْسِهِ كَانَ بِاعْتِبَارِ مَا آلَ إِلَيْهِ الْحَالُ؛ لِأَنَّهُ وَرِثَ حَفْصَةَ دُونَ إِخْوَتِهِ لِكَوْنِهَا كَانَتْ شَقِيقَتَهُ وَلَمْ تَتْرُكْ مَنْ يَحْجُبُهُ عَنْ الِاسْتِيعَابِ.
قَوْلُهُ: (عَلَى لَبِنَتَيْنِ) وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ فَأَشْرَفْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ عَلَى خَلَائِهِ وَفِي رِوَايَةِ لَهُ: فَرَأَيْتُهُ يَقْضِي حَاجَتَهُ مَحْجُوبًا عَلَيْهِ بِلَبِنٍ وَلِلْحَكِيمِ التِّرْمِذِيِّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ فَرَأَيْتُهُ فِي كَنِيفٍ وَهُوَ بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِ النُّونِ بَعْدَهَا يَاءٌ تَحْتَانِيَّةٌ ثُمَّ فَاءٌ.
وَانْتَفَى بِهَذَا إِيرَادُ مَنْ قَالَ مِمَّنْ يَرَى الْجَوَازَ مُطْلَقًا: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رَآهُ فِي الْفَضَاءِ، وَكَوْنُهُ رَآهُ عَلَى لَبِنَتَيْنِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْبِنَاءِ؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ جَلَسَ عَلَيْهِمَا لِيَرْتَفِعَ بِهِمَا عَنِ الْأَرْضِ، وَيَرُدُّ هَذَا الِاحْتِمَالَ أَيْضًا أَنَّ ابْنَ عُمَرِ كَانَ يَرَى الْمَنْعَ مِنَ الِاسْتِقْبَالِ فِي الْفَضَاءِ إِلَّا بِسَاتِرٍ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالْحَاكِمُ بِسَنَدٍ لَا بَأْسَ بِهِ، وَلَمْ يَقْصِدِ ابْنُ عُمَرَ الْإِشْرَافَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَإِنَّمَا صَعِدَ السَّطْحَ لِضَرُورَةٍ لَهُ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ فَحَانَتْ مِنْهُ الْتِفَاتَةٌ، كَمَا فِي رِوَايَةِ لِلْبَيْهَقِيِّ مِنْ طَرِيقِ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
نَعَمْ لَمَّا اتَّفَقَتْ لَهُ رُؤْيَتُهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ أَحَبَّ أَنْ لَا يُخْلِيَ ذَلِكَ مِنْ فَائِدَةٍ، فَحَفِظَ هَذَا الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ، وَكَأَنَّهُ إِنَّمَا