عَنْهُ قَالَ قال رسول الله ﷺ: "أَلَا تَعْجَبُونَ كَيْفَ يَصْرِفُ اللَّهُ عَنِّي شَتْمَ قُرَيْشٍ وَلَعْنَهُمْ يَشْتِمُونَ مُذَمَّمًا وَيَلْعَنُونَ مُذَمَّمًا وَأَنَا مُحَمَّدٌ".
قَوْلُهُ: (بَابُ مَا جَاءَ فِي أَسْمَاءِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَقَوْلُهُ ﷿: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ﴾ وَقَوْلُهُ: ﴿مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾ كَأَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى أَنَّ هَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ أَشْهَرُ أَسْمَائِهِ، وَأَشْهُرُهُمَا مُحَمَّدٌ، وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْقُرْآنِ، وَأَمَّا أَحْمَدُ فَذُكِرَ فِيهِ حِكَايَةٌ عَنْ قَوْلِ عِيسَى ﵇، فَأَمَّا مُحَمَّدٌ فَمِنْ بَابِ التَّفْعِيلِ لِلْمُبَالَغَةِ، وَأَمَّا أَحْمَدُ فَمِنْ بَابِ التَّفْضِيلِ، وَقِيلَ: سُمِّيَ أَحْمَدَ لِأَنَّهُ عَلَمٌ مَنْقُولٌ مِنْ صِفَةٍ وَهِيَ أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ وَمَعْنَاهُ أَحْمَدُ الْحَامِدِينَ، وَسَبَبُ ذَلِكَ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ يُفْتَحُ عَلَيْهِ فِي الْمَقَامِ الْمَحْمُودِ بِمَحَامِدَ لَمْ يُفْتَحْ بِهَا عَلَى أَحَدٍ قَبْلَهُ، وَقِيلَ: الْأَنْبِيَاءُ حَمَّادُونَ وَهُوَ أَحْمَدُهُمْ، أَيْ أَكْثَرُهُمْ حَمْدًا أَوْ أَعْظَمُهُمْ فِي صِفَةِ الْحَمْدِ، وَأَمَّا مُحَمَّدٌ فَهُوَ مَنْقُولٌ مِنْ صِفَةِ الْحَمْدِ أَيْضًا وَهُوَ بِمَعْنَى مَحْمُودٍ وَفِيهِ مَعْنَى الْمُبَالَغَةِ، وَقَدْ أَخْرَجَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّارِيخِ الصَّغِيرِ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ قَالَ كَانَ أَبُو طَالِبٍ يَقُولُ:
وَشَقَّ لَهُ مِنَ اسْمِهِ لِيُجِلَّهُ … فَذُو الْعَرْشِ مَحْمُودٌ وَهَذَا مُحَمَّدُ
وَالْمُحَمَّدُ الَّذِي حُمِدَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ كَالْمُمَدَّحِ، قَالَ الْأَعْشَى:
إِلَيْكَ أَبَيْتَ اللَّعْنَ كَانَ وَجِيفُهَا … إِلَى الْمَاجِدِ الْقَرَمِ الْجَوَادِ الْمُحَمَّدِ
أَيِ الَّذِي حُمِدَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، أَوِ الَّذِي تَكَامَلَتْ فِيهِ الْخِصَالُ الْمَحْمُودَةُ، قَالَ عِيَاضٌ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَحْمَدَ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ مُحَمَّدًا كَمَا وَقَعَ فِي الْوُجُودِ لِأَنَّ تَسْمِيَتَهُ أَحْمَدَ وَقَعَتْ فِي الْكُتُبِ السَّالِفَةِ، وَتَسْمِيَتُهُ مُحَمَّدًا وَقَعَتْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ حَمِدَ رَبَّهُ قَبْلَ أَنْ يَحْمَدَهُ النَّاسُ، وَكَذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ يَحْمَدُ رَبَّهُ فَيُشَفِّعَهُ فَيَحْمَدُهُ النَّاسُ. وَقَدْ خُصَّ بِسُورَةِ الْحَمْدِ وَبِلِوَاءِ الْحَمْدِ وَبِالْمَقَامِ الْمَحْمُودِ، وَشُرِعَ لَهُ الْحَمْدُ بَعْدَ الْأَكْلِ وَبَعْدَ الشُّرْبِ وَبَعْدَ الدُّعَاءِ وَبَعْدَ الْقُدُومِ مِنَ السَّفَرِ، وَسُمِّيَتْ أُمَّتُهُ الْحَمَّادِينَ، فَجُمِعَتْ لَهُ مَعَانِي الْحَمْدِ وَأَنْوَاعُهُ ﷺ.
وَذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَيْنِ: أَحَدُهُمَا قَوْلُهُ: (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ) كَذَا وَقَعَ مَوْصُولًا عِنْدَ مَعْنِ بْنِ عِيسَى، عَنْ مَالِكٍ، وَقَالَ الْأَكْثَرُ: عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ مُرْسَلًا، وَوَافَقَ مَعَنَا عَلَى وَصْلِهِ عَنْ مَالِكٍ جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُبَارَكِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ عِنْدَ أَبي عَوَانَةَ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْغَرَائِبِ عَنْ آخَرِينَ عَنْ مَالِكٍ، وَقَالَ: إِنَّ أَكْثَرَ أَصْحَابِ مَالِكٍ أَرْسَلُوهُ.
قُلْتُ: وَهُوَ مَعْرُوفُ الِاتِّصَالِ عَنْ غَيْرِ مَالِكٍ، وَصَلَهُ يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، وَعُقَيْلٌ، وَمَعْمَرٌ وَحَدِيثُهُمْ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَشُعْبَةُ وَحَدِيثُهُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي التَّفْسِيرِ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَيْضًا وَالتِّرْمِذِيِّ كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَرَوَاهُ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَيْضًا وَلَدُهُ الْآخَرُ نَافِعٌ وَفِي حَدِيثِهِ زِيَادَةٌ، وَعِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي التَّارِيخِ، وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ سَعْدٍ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّارِيخِ، وَعَنْ حُذَيْفَةَ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي التَّارِيخِ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ سَعْدٍ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي الطُّفَيْلِ عِنْدَ ابْنِ عَدِيٍّ، وَمِنْ مُرْسَلِ مُجَاهِدٍ عِنْدَ ابْنِ سَعْدٍ، وَسَأَذْكُرُ مَا فِي رِوَايَاتِهِمْ مِنْ زِيَادَةِ فَائِدَةٍ.
قَوْلُهُ: (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ) فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ الْمَذْكُورَةِ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرٍ.
قَوْلُهُ: (لِي خَمْسَةُ أَسْمَاءٍ) فِي رِوَايَةِ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عِنْدَ ابْنِ سَعْدٍ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ فَقَالَ لَهُ: أَتُحْصِي أَسْمَاءَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الَّتِي كَانَ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ يَعُدُّهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، هِيَ سِتٌّ. فَذَكَرَ